التصنيف: مقالات

  • التوسع الصيني الاستراتيجي في الشرق الأوسط: دراسة حالة لبنان

    التوسع الصيني الاستراتيجي في الشرق الأوسط: دراسة حالة لبنان

    موقع الصين بعيون عربية-

    د. محمد زريق*:

    عند تأسيس جمهورية الصين الشعبية في عام 1949، واجهت الصين سلسلة من التحديات. في السنوات الأخيرة، توسع نفوذ الصين في المنطقة بسبب مصالحها الاقتصادية في الطاقة والتجارة وبناء البنية التحتية والاتصالات الدبلوماسية مع دول المنطقة. ويرتبط هذا بمبادرة الحزام والطريق التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ، والتي تم الإعلان عنها في عام 2013 استجابة لاحتياجات الطبقة الوسطى المتزايدة للبنية التحتية والتبادلات الاقتصادية.

    باعتبارها أكبر مستهلك للنفط في العالم، تخضع علاقات الصين مع مصدري النفط الرئيسيين مثل المملكة العربية السعودية وإيران للتطوير الدائم. يتضمن جزء من مبادرة الحزام والطريق إنشاء قنوات جديدة لتعزيز التجارة من خلال توسيع البنى التحتية القائمة. قد تتهدد المصالح والنفوذ الاقتصادي الصيني بسبب عدم الاستقرار في المنطقة. يُهمل لبنان أحياناً بسبب وضعه السياسي المعقد والنفوذ الدولي الكبير. يتكون لبنان من المسلمون السنة والشيعة وكذلك المسيحيون والأكراد وهم أنفسهم على خلاف مع بعضهم البعض.

    يشكل الوضع الأمني حجر عثرة آخر في وجه الشراكة الصينية اللبنانية. واجه لبنان وسوريا التدخلات الخارجية والجماعات المتطرفة وتعقيدات الأزمة السورية. بالنسبة لمبادرة الحزام والطريق، يقع لبنان في موقع استراتيجي في منطقة المشرق العربي وله منفذ مباشر إلى البحر الأبيض المتوسط، مما يجعله موقعًا مثاليًا للمشروع الصيني.

    من خلال مراجعة الأدبيات للأوراق الأكاديمية والوثائق الحكومية والمقالات الصحفية، تهدف هذه الورقة إلى فحص نهج الصين الدبلوماسي واهتماماتها تجاه لبنان. نعرض هنا نظرة متعمقة على علاقة الصين مع لبنان منذ تأسيسها، تغطي الفترة من عام 1949 إلى الوقت الحاضر لإعطاء فكرة أكبر عن كيفية تطور العلاقات والمشاكل عبر الزمن. بالإضافة إلى ذلك، يتم أخذ سياسة عدم التدخل ونفوذ الدول المهمة الأخرى في الاعتبار في لبنان.

    استعراض العلاقات الثنائية لفترة (1949-2000)
    تأسست جمهورية الصين الشعبية في عام 1949، عندما أحكم الحزب الشيوعي الصيني قبضته على بكين وأصبح مسؤولا عن الحكومة. تنتهج الصين استراتيجية دبلوماسية سلمية وانفتاح على لبنان. لطالما كانت الصين صديقة للبنان في جميع المراحل، على الرغم من قلة اهتمام بكين بالمنطقة خلال هذه الاوقات (فترة الاوبئة والازمات والصراعات). تعتبر أعمال شيشور المصدر الرئيسي للمعلومات حول اتصالات الصين المبكرة مع لبنان، حيث كان رائداً في مجال العلاقات الصينية في الشرق الأوسط.
    في عام 1949 لم يعترف لبنان بالحزب الشيوعي باعتباره السلطة المركزية للصين. ساهمت الصين بقوات عسكرية في الحرب الكورية للدفاع عن كوريا الشمالية والقتال ضد القوات الأمريكية، مما دفع لبنان إلى وصف الصين بالمعتد في الصراع عام 1951. وكانت الولايات المتحدة قد نصحت لبنان بتأجيل التصويت على قرار كان من شأنه استبعاد تايوان من التمثيل الاممي. انقسم كل من البرلمان والحكومة حول موقف لبنان، مما أثار الكثير من النقاش في كليهما. في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، كان موقف لبنان تجاه جمهورية الصين الشعبية معاديًا، وكان لبنان موجهًا نحو الغرب، فقد وسّعت الحكومة اللبنانية تحالفاتها مع الغرب، بقيادة الولايات المتحدة.

    بعد مؤتمر باندونغ في عام 1955، تفاوضت الصين على عشر اتفاقيات تجارية، بما في ذلك واحدة مع لبنان، مما أدى إلى تحول إيجابي تجاه الصين. التقى رئيس الرابطة الإسلامية الصينية بقادة لبنان في عام 1956. في أوائل الخمسينيات، كان للبنان روابط أقوى مع تايوان مما هي عليه الآن. لذلك، لسنوات عديدة بعد هذا الحدث، ظلت مصالح الحزب الشيوعي الصيني في لبنان منخفضة. كان هناك انعدام للثقة بين جمهورية الصين الشعبية ولبنان بسبب سلسلة من الحوادث.

    من ناحية أخرى، اعترضت الصين على الإجراءات التي اتخذها لبنان عام 1969 ضد الفلسطينيين. استمر البلدان في العمل معًا بشأن الصفقات التجارية على الرغم من هذه القضايا. عندما تجاوزت الصين تايوان في التجارة مع لبنان في أواخر الستينيات، أقام البلدان علاقة أقوى. لفترة طويلة، كانت الاتصالات الدبلوماسية بين لبنان والصين محدودة بسبب الحرب الأهلية المستمرة وعمليات القتل السياسي في البلاد. خلال ذلك الوقت، كانت العلاقة قائمة في الغالب على اعتبارات اقتصادية.

    نظرت بكين إلى لبنان على أنه شريك تصدير للسلع الصينية عندما أقيمت العلاقات الدبلوماسية، لكنها رأت أيضًا أن بيروت هي العاصمة المصرفية والتجارية في الشرق الأوسط. في بيروت، افتتحت الصين فرعًا للبنك الوطني الصيني في عام 1972؛ نتيجة للزيارة الأولى التي قام بها وزير الخارجية اللبناني خليل أبو حمد إلى الصين في وقت لاحق من ذلك العام، وقَّع البلدان اتفاقية تجارية جديدة من أجل تسهيل عبور متبادل، واتفاقية أخرى في العام التالي لتوسيع التجارة البينية. لكن الحرب الأهلية في لبنان أخرت المشاريع الصينية التي كانت بكين تنوي اقامتها في لبنان. تم إلقاء اللوم على روسيا في تصعيد الصراع وإدامته وإذكائه. واعتبرت الصين القضية على أنها قضية ينبغي تسويتها من قبل شعوب المنطقة وليس من قبل أطراف خارجية. خلال تلك الفترة، لم يُبذل سوى القليل من الجهود لتعميق العلاقات مع بيروت.

    اتسمت العلاقات بين الصين ولبنان بالتقلبات طوال القرن العشرين، لكنها كانت مقيدة بشكل عام. نمت الروابط الاقتصادية بين بكين وبيروت في السبعينيات، لكن عدم الاستقرار الداخلي في البلاد منعها من توسيع تعاونها مع لبنان. على الرغم من أن الصين لديها تاريخ طويل في دعم الدول المجاورة لها، إلا أن سياسة عدم التدخل في النزاعات الخارجية بدأت منذ وقت مبكر.

    حقبة ما بعد عام 2000: العلاقات الثنائية الناشئة
    يوضح هذا القسم التطور المتزايد للعلاقات بين الصين ولبنان منذ عام 2000. ويؤكد على التعاون في التجارة والتبادل الثقافي والاتفاقيات التي تم التوصل إليها في السنوات الأخيرة.

    بدأت الحكومة الصينية في توسيع العلاقات مع بيروت بعد عام 2000. وأثناء زيارة رئيس الوزراء رفيق الحريري في بكين للقاء رئيس الوزراء الصيني تشو رونغجي في عام 2002، أعرب البلدان عن عزمهما على تكثيف التعاون في المشاريع المشتركة. لقد أدى إلى تعاون موسع في العديد من القطاعات.

    في عام 2005، وقّعت الصين ولبنان اتفاقية تعاون سياحي. تهدف هذه الصفقة إلى تحفيز الاستثمار في قطاعات السياحة المتبادلة وتعزيز التواصل بين المؤسسات السياحية من خلال تبادل المواهب المهنية. تطورت العلاقة أيضًا لتشمل التبادل الأكاديمي والثقافي، حيث يتم تقديم دورات لغة الماندرين في الجامعة الأمريكية في بيروت. ويوجد أيضًا معهد كونفوشيوس في بيروت بجامعة القديس يوسف.

    ومع ذلك، فإن التبادلات الثقافية، والسياحة، والتعليم ليست العلامات الوحيدة لتوثيق العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. في عام 2009، رحّبت الصين بأكثر من 150 مهنيًا لبنانيًا لحضور ندوات ودورات في تخصصات متنوعة، بما في ذلك الأعمال التجارية، والتمويل، والزراعة، والصحافة، والتعليم. يصور الموقع الإلكتروني لوزارة خارجية جمهوريةالصين الشعبية عام 2014 باعتباره العام الذي تطورت خلاله العلاقات مع لبنان، مما أدى إلى تعاون أقوى.

    في ذلك العام، حضر نائب رئيس المؤتمر الاستشارى السياسى للشعب الصينى، لوه فوهي، حفل استقبال بمناسبة الذكرى السبعين لعيد استقلال لبنان. في عام 2015، أشار رئيس الوزراء تمام سلام إلى أن لبنان يتطلع إلى أن يكون شريكًا موثوقًا به للصين خلال مؤتمر رجال الأعمال العرب الصينيين. يعتبر الجانبان التعاون الثنائي في الثقافة والتعليم والصحافة والفنون والجيش وسيلة لتوسيع التفاعلات الودية. من المهم ملاحظة أن التعاون الموسع الذي أشارت إليه وزارة الخارجية جاء بعد وقت قصير من إطلاق مبادرة الحزام والطريق.

    لوحظ توسيع في تشبيك الروابط الاقتصادية في السنوات الأخيرة. في عام 2013، أصبحت الصين الشريك التجاري الأساسي للبنان. بذلت بيروت جهودًا لجلب المزيد من الاستثمارات الصينية من خلال مشاركتها في معرض شنغهاي إكسبو في عام 2010. وساعدت الصين لبنان على إنشاء شبكة اتصالات متنقلة وأنظمة تدفئة شمسية وبرامج مساعدات نقدية لمخيمات اللاجئين الفلسطينيين.

    ومع ذلك، أعاقت الأزمة السورية الجهود لتعزيز المزيد من التجارة بين البلدين، حيث تم إغلاق الطرق البرية للصادرات اللبنانية. تصدر الصين إلى لبنان معدات كهربائية ومنسوجات ومواد بلاستيكية وآلات. يستورد لبنان 1.89 مليار دولار من الصين، وهو ما يمثل 9.1 في المائة من إجمالي وارداته، بينما يصدر للصين 24.1 مليون دولار، وهي نسبة ضئيلة من إجمالي صادراته البالغة 0.62 في المائة. حتى إذا كان من المحتمل أن تتطور الروابط الاقتصادية في المستقبل مع مبادرة الحزام والطريق، فمن الممكن القول أن عجز تجاري سيحدث بين البلدين. على مدى السنوات القليلة الماضية، وسعت الصين والولايات المتحدة علاقاتهما التجارية. وشمل اهتمام بكين المتزايد بالدول العربية من حيث التجارة لبنان.

    الصين في لبنان: شريك سلمي
    ساعدت سياسة عدم التدخل التي تتبعها الصين على تعزيز التنمية السلمية وحل النزاعات. كانت المساعدات الإنسانية والضغط من أجل حل داخلي سريع من العوامل الرئيسية في نجاح العلاقة الثنائية. كجزء من قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل)، نشرت الصين أكثر من 1000 جندي حفظ سلام في لبنان، وهو ما أعلنه وين جياباو.

    نائب المندوب الصيني لدى الأمم المتحدة لوي زينمين انتقد تصرفات إسرائيل في عام 2006 لأنها تنتهك سيادة لبنان. وقال زينمين إنه ينبغي استخدام القوة بشكل أخف ورفع الحصار المسلح. كما اتهمت الولايات المتحدة بالتلاعب بالصراع لممارسة الضغط على إيران وسوريا ونشر الديمقراطية في جميع أنحاء العالم. من خلال مشاركتها في الأمم المتحدة ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، تمكنت الصين من لعب دور غير مباشر في الوساطات اللبنانية. خلال الحرب الأهلية في لبنان، قدمت الصين أيضًا مساعدات مالية.

    لطالما دافعت الصين عن عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وعدم استخدام القوة العسكرية. عندما يتعلق الأمر بالسلام والأمن العالميين، فإن حق النقض الذي تمارسه الولايات المتحدة على قرارات سوريا واضح تمامًا. تم رفض العديد من قرارات مجلس الأمن الدولي بشأن سوريا من قبل بكين وموسكو معًا. تعمل روسيا والصين معًا لتجنب تدخل عسكري من شأنه أن يسقط نظام بشار الأسد.

    في عام 2011، عندما رفضا قرارًا يدين سوريا، مارست الصين وروسيا حق النقض في اطار تعاونهما الاستراتيجي بشأن الصراع السوري. منعت الصين وروسيا استقالة الرئيس بشار الأسد وطالبت وقف العنف ضد المعارضين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في فبراير/ شباط 2012. صوت البلدان ضد قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الذي يدين جرائم النظام السوري في مارس/ آذار من ذلك العام. من خلال وساطة محايدة، حثت الصين جميع الأطراف السورية على وقف جميع أشكال العنف، وخاصة ضد المدنيين.

    مع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الصين لم تمتثل دائمًا لقرارات روسيا باستخدام الفيتو في القضية السورية. ولتعزيز دورها السياسي، امتنعت في عدة مناسبات عن التصويت لروسيا في قراراتها. كما في عام 2012، استخدمت موسكو حق النقض ضد سبعة قرارات لمجلس الأمن الدولي، بينما فعلت بكين ذلك مرتين فقط في عام 2013. وللمرة الثالثة خلال عدة سنوات، استخدمت الصين حق النقض (الفيتو) على قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في عام 2017. التعاون الاستراتيجي بشأن السيادة وسلامة الأراضي، والأمن في المنطقة يقدمه كلا البلدين.

    التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للدول، واستخدام القوة، ووضعية المواجهة عارضها الموقف الدبلوماسي الصيني؛ في إطار جهد دبلوماسي للوساطة بين سوريا ومختلف تنظيمات المعارضة، تطوعت بكين للمشاركة من أجل حل النزاع. تشجع بكين عدم التدخل في النزاعات الخارجية والعودة السريعة إلى الاستقرار. إن المشاركة الصينية البنَّاءة تتميز بالمشاركة السياسية بدلاً من التدخل العسكري. تدعم الصين الحوار السلمي كحل مع احترام التطلعات المشروعة للشعب.

    يعزز الإجماع الإقليمي بشأن التنمية الإقليمية السلام في الشرق الأوسط، مما يسمح بتوسيع الخطاب الدبلوماسي في المنطقة. العمل كوسيط واقتراح أفكار بناءة هما من الأدوار الرئيسية لهذه العملية. لقد تلقى نظام الأسد مساعدة من الصين. قدمت الصين مساعدات إنسانية للسوريين. اعتبارًا من عام 2017، يوجد في سوريا أكبر عدد من الأشخاص الذين أجبروا على الفرار من منازلهم، وتلقت سوريا الكثير من المساعدات الإنسانية. خلال الأزمة الإنسانية في سوريا، قدمت الحكومة الصينية 1000 طن من الأرز ووقعت ثلاث اتفاقيات بقيمة 40 مليون دولار كمساعدات إنسانية كجزء من برنامج مساعدات غذائية طارئة لدعم البلدان.

    أكثر من اثنتي عشرة منظمة دولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، وبرنامج الغذاء العالمي، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، قدمت بالفعل مساعدات لسوريا. ومع ذلك، لم تدخل الصين في قائمة أكبر 10 مانحين للمساعدات الإنسانية. ساهم العديد من البلدان في الصندوق الاستئماني للبنك الدولي لمواجهة الأزمات في لبنان وسوريا لمساعدة المتضررين من هذا الصراع. تلقت سوريا أكثر من 10 مليارات دولار من المساعدات التنموية والمساعدات الحكومية في عام 2017، وفقًا للبنك الدولي. يبدو أن مساعدة الصين محدودة مقارنة بمساعدات الدول الأخرى. كانت مساهمات الصين في لبنان ضئيلة حتى وقت قريب، مقارنة بالدول الأخرى. وقد أدت سياسة عدم التدخل هذه إلى علاقات جيدة مع جميع دول المنطقة وكذلك تعاون وثيق مع روسيا في مجلس الأمن.

    لبنان: الشريك الاستراتيجي للصين في مبادرة الحزام والطريق
    مع مبادرة الحزام والطريق، تتمتع علاقات الصين مع لبنان بمستقبل مشرق. وقع CCPIT مذكرتي تفاهم في عام 2017 مع غرف التجارة العربية للمساعدة في توسيع مبادرة الحزام والطريق لتشمل لبنان. تلقت بيروت حزم مساعدات بلغ مجموعها أكثر من 100 مليون دولار من الصين كجزء من منتدى التعاون الصيني العربي (CASCF) لعام 2018. العلاقات الثنائية المستقبلية بين الصين ولبنان ستتمحور حول مبادرة الحزام والطريق. لهذا السبب من المهم أن نراقب عن قرب وبشغف هذه المبادرة الضخمة التي بالتأكيد ستفغير وجه المنطقة ولبنان.

    يهدف لبنان إلى أن يكون لاعباً رئيسياً في هذا الصدد. الاستثمار في البنية التحتية في تونس أمر منطقي بسبب موقعها الاستراتيجي وسهولة الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط. كذلك يمكن استخدام مرافق الموانئ في بيروت وطرابلس كمركز إقليمي لتجارة البحر الأبيض المتوسط. كنتيجة طبيعية لهذا المنطق، قامت الصين باستثمارات كبيرة في توسيع البنية التحتية للميناء. تجدر الإشارة إلى أن اتحاد بلديات طرابلس عضو في غرفة التجارة الدولية بطريق الحرير الصينية. قال السيد عدنان القصار، إن شركة SRCIC مستعدة لإقراض لبنان ملياري دولار بأسعار فائدة معقولة. وقد أعرب سفير الصين الاسبق في لبنان وانغ كيجيان عن استعداد بلاده لمساعدة لبنان في عمليات التنمية.

    أوضح المسؤولون الصينيون أنهم لا يعتزمون تقويض موقف موسكو في المنطقة. مع مبادرة الحزام والطريق، ازداد الاهتمام الصيني بالشرق الأوسط، مما قد يؤدي إلى دبلوماسية أكثر حزماً في المنطقة، لا سيما في البلدان ذات الخلافات الطائفية والأزمات السياسية. نتيجة لذلك، قد تكون الاستثمارات الاقتصادية السورية واللبنانية محمية بشكل أفضل. ومع ذلك، من الممكن أن تقوم العلاقات الدبلوماسية بين الصين وسوريا على أساس المصالح الاقتصادية المشتركة. حد الصراع المطول في سوريا من قدرة الصين على المساعدة في جهود إعادة الإعمار في سوريا، حيث أعربت عن استعدادها للقيام بذلك.

    عقدت بكين المعرض التجاري الأول حول مشاريع إعادة الإعمار السورية في تموز / يوليو 2017 وأعلنت عن استثمار ملياري دولار في جهود إعادة الإعمار في البلاد. نتيجة لذلك، من الصعب تحديد المبلغ الذي تم تلقيه من هذه الأموال بالضبط حتى الآن. تشارك روسيا والصين وإيران ولبنان في المعرض التجاري. في معرض دمشق التجاري الدولي 60 في عام 2018، وقعت أكثر من 200 شركة صينية اتفاقيات لبناء منشآت فولاذية ومحطات لتوليد الكهرباء ولصنع سيارات ذات علامة تجارية صينية. قال الرئيس الأسد في مقابلة مع تلفزيون فينيكس إن سوريا سترحب بالاستثمارات الصينية في عملية إعادة الاعمار. في المستقبل، يرى الأسد زيادة في التجارة بين البلدين. وتمت الإشادة على نطاق واسع بقبول سوريا لدعوة الصين للانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق.في عام 2018، زودت الصين الميناء الرئيسي بسوريا بـ 800 مولد كهربائي. تتعرض مشاريع الصين الضخمة للخطر بسبب الأزمة السورية والتدخل الدولي. سيكون استقرار سوريا على رأس أولويات بكين حيث من المتوقع أن تنمو الروابط الاقتصادية بين البلدين بشكل كبير في المستقبل القريب. يتم توفير طريق بديل لقناة السويس عبر الصين وآسيا الوسطى وغرب آسيا من قبل بلاد الشام. تعتبر منطقة الشام منطقة مهمة بالنسبة لمبادرة الحزام والطريق.

    التقى الرئيس ميشال عون ومدير المركز جيانغ زنغوي في بيروت لمناقشة سبل تحسين العلاقات الثنائية. من بين أمور أخرى، تهدف العلاقة إلى تعزيز التعاون في تطوير البنية التحتية، وكذلك الاستثمارات في الطاقة الجديدة والصناعات الرئيسية الأخرى. يعتقد الرئيس اللبناني الاسبق ميشال سليمان، أن البلاد بحاجة إلى مزيد من التعاون في قطاع الطاقة البديلة. قد يكون لدعم الحكومة الصينية للاستثمارات الخاصة في الشرق العربي أثر إيجابي على لبنان. يتم بالفعل البحث عن الشركات الصينية لتوسيع سوقها الصناعي. واستشهد الرئيس سعد الحريري بالصين كمثال للتحديث يجب الاقتداء به. قد يجعل هذا الانفتاح من بيروت مركزًا لوجستيًا واقتصاديًا وتجاريًا لمبادرة الحزام والطريق الصينية في المنطقة. وتطرق سليمان إلى موضوع اللاجئين السوريين والفلسطينيين في لبنان وقال إن الصين بسياسة الانفتاح قد تقدم الدعم في هذا المجال. كما أدلى بملاحظة مثيرة للاهتمام حول كيفية عمل البلدين معًا في المستقبل.

    الخلاصة
    بما أن لبنان يقع في منطقة استراتيجية وحساسة ومعّقدة، تزداد أهمية العلاقات اللبنانية الصينية. تجنبت بكين التدخل المباشر في الحرب الأهلية اللبنانية وغيرها من الصراعات الداخلية، عبر استخدام موقف داعمللحكومة ونهج (المسافة الواحدة) من جميع الأحزاب السياسية. من خلال مبادرة الحزام والطريق، يمكن للبنان أن يصبح حليفًا جيوستراتيجيًا للصين، مما يسمح بعلاقات اقتصادية أكبر. عبّرَ مسؤولون لبنانيون عن اهتمامهم بلعب دور رئيسي في المبادرة. ومع ذلك، لا تزال العوامل المحلية تعيق التعاون التجاري. قد يكون توسيع العلاقات الثنائية من خلال مبادرة الحزام والطريق فرصة جيدة لبيروت للاتنفتاح على الشرق والمنطقة. يمكن تعزيز التفاهم المتبادل من خلال التفاعلات الأكاديمية والمهنية. من المرجح أن يستفيد لبنان من مبادرة الحزام والطريق استراتيجية القروض الصينية لتطوير البنية التحتية المهترئة.

    *دكتور في العلاقات الدولية وباحث مستقل، متابع لسياسة الصين الخارجية ومبادرة الحزام والطريق وقضايا شرق أوسطية والعلاقات الصينية-العربية. للكاتب العديد من الدراسات المنشورة في مجلات رفيعة المستوى وصحف عالمية.

  • التواصل الثقافي الصيني – العربي القديم: تسليط الضوء على حقبة أسرة تانغ

    التواصل الثقافي الصيني – العربي القديم: تسليط الضوء على حقبة أسرة تانغ

    موقع الصين بعيون عربية-

    د. محمد زريق*:

    في سبتمبر/ أيلول 2013، أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ إطلاق مبادرة الحزام والطريق. تهدف هذه المبادرة إلى إعادة إحياء طريق الحرير التاريخي وإقامة روابط تجارية وثقافية وإنسانية عالمية جديدة. على الصعيد العالمي، هذه هي أهم وأكبر مبادرة اقتصادية في التاريخ. وكانت الدول العربية من بين أول من دعم هذا الاقتراح الصيني الطموح. لطالما كانت المدن العربية الكبرى محطات أساسية على طريق الحرير القديم.

    لقرون، نقل العرب بضائع الصين وكان التواصل بين الثقافات دائم. إن الحزام الثقافي العربي – الصيني القديم والاتصال البشري جعل التبادل الاقتصادي والتجاري أسهل وأكثر ملاءمة. بدون هذا الحزام الثقافي الواسع، لن يتمتع العالم القديم، ولا سيما بين القرنين السابع والسادس عشر الميلاديين، بمثل هذه النهضة التجارية والتعايش السلمي الذي بات رمزاً للحضارة الصينية العريقة.

    كانت هناك اتصالات ما قبل الإسلام بين الدول الصينية والعربية. لفترة طويلة، سيطر العرب على طريق التجارة بين آسيا وأوروبا. منذ ما قبل سانت لويس حتى الآن، حققت صناعة الزجاج نجاحًا غير عادي؛ مع التذكير أن الصينيين قد أطلقوا مسبقاً “طريق الزجاج”. تشير السجلات الصينية القديمة إلى المشاركة الثقافية مع المنطقة العربية منذ 122 قبل الميلاد، عندما شيدوا طريق الحرير. طوال عهد أسرة هان، كان الفنانون العرب يؤدون السحر والموسيقى في المحاكم الإمبراطورية. بالإضافة إلى أفعال خارقة للطبيعة مثل تحويل جمجمة ثور إلى حصان عربي.

    تم نقل الآلات الموسيقية من بلاد ما بين النهرين قبل الإسلام بما في ذلك konghou و bili pipa وغيرها ولعبت دورًا أساسيًا في إنشاء الموسيقى الصينية. بين عامي 222 و 280 بعد الميلاد، تواصل الصينيون مع مملكة مروي في شمال السودان. سافرت السفن التجارية الصينية من الهند إلى الإمبراطورية الرومانية بعد رحلة مدتها شهر. يعتبر السودان الحديث جزءًا من الحزام الثقافي والاقتصادي الاساسي. عرف الناس قبل الإسلام الأشياء الصينية مثل صناديق الكنوز العاكسة، والتي كانت تعتبر من الاشياء الثمينة والرائعة. بحلول عام 300 بعد الميلاد، أنشأ العرب مستعمرة كبيرة في تشيوانتشو. كان ذلك خلال حكم مملكة واي الشمالية (386-557). ربما أثرت اللغة والثقافة والتقاليد العربية على قوانغتشو ولويانغ. خلال فترة تانغ (618-907 م)، كان هناك اتصال ثقافي كبير بين الدول العربية والصينية.

    مع تطور الإسلام، ازداد استقرار وثروات تانغ الصينية، مما أدى إلى مزيد من الاتصالات الدبلوماسية والتجارية. أصبحت شي آن مركزًا ثقافيًا للإمبراطورية. بدأ أول حوار بين الحضارات والتعايش الثقافي في العالم القديم خلال حقبة طريق الحرير. من خلال طريق الحرير، انخرط عدد قليل من السكان العرب في الإقليم الشمالي لمملكة وي في أنشطة ثقافية وتجارية وصناعية صغيرة الحجم خلال عهد أسرة تانغ. لم يشعر العرب والمسلمون بالحاجة إلى المشاركة في المعارك والحروب من أجل نشر ثقافتهم، بل اندمجوا في المجتمع الصيني المتنوع الذي يعيشون فيه بشكل رائع؛ وخلال عهد أسرة تانغ، ازداد الفهم العربي للشعب الصيني.

    كان الجغرافيون والمؤرخون العرب قد روجوا للحزام الثقافي لطريق الحرير. غالبًا ما كان الأكاديميون العرب يعلقون على النظام القضائي الصيني وحبهم للحرير والخزاف. ولدراسة تضاريس وعادات الشعوب العربية، أنتج هوان دو عدة كتب. سكن هوان دو في المنطقة العربية لعدة سنوات قبل أن يعود عام 762 بعد الميلاد إلى الصين. كما قام بتفصيل رحلاته حول العالم العربي في سجلات السفر، حيث وصف حالة الكوفة والإمبراطورية العباسية. “يضم هذا المجتمع الذي يرتدي النقاب مسجدًا يتسع لـ 100000 شخص حيث يتحدث الخليفة كل أسبوع”. وأشار إلى أن “كل ما يوجد على ظهر الأرض موجود في الكوفة”.

    “السوق كبير ورخيص، والطرق مليئة بالخيول والحملان”. السيراميك والزجاج والحرير متوفرون أيضًا في أسواق الكوفة. يدعي أن أرز الكوفة مطابق للأرز الصيني. وذكر أيضًا عن الرسامين والنساجين الصينيين في الكوفة. كما أرّخت المصادر الصينية الاضطرابات السياسية الكبرى في شبه الجزيرة العربية خلال عهد أسرة تانغ ، مما يشير إلى معرفة واسعة بالظروف الاقتصادية والسياسية في المنطقة. وكان من المدهش أن نرى أن السجلات التاريخية الصينية تواكب الأحداث في شبه الجزيرة العربية أثناء العصر الإسلامي. كانت الدعوة في مهدها، وحكمت قبيلة قريش، التي ضمت بني هاشم وبنو مروان، غرب منطقة شي آن.

    كتاب أسطورة تانغ القديم له قصة معقدة، فهو يروي رحيل الجيوش العربية من شبه الجزيرة العربية، عبر نهر دجلة، إلى الهند. ويضيف كتاب تاريخ تانغ: “اغتال الخليفة مروان شقيقه الأكبر وتوّج نفسه خليفة، ومع ذلك كان يحظى بشعبية بين الناس بسبب قوته وقمعه”. في طريقه من خراسان إلى الغرب، قتل أبو مسلم الخليفة المسلم أبو العباس. خلال هذه الفترة، شاركت الدول العربية والصينية في الكثير من الخبرات الصناعية. نقلت الدولة الإسلامية تقنية صناعة الورق من الصينيين بعد معركة نهر تالاس في يوليو/ تموز 751 م. بدأ أول مصنع للورق في بغداد حوالي عام 793 بعد الميلاد، بعد سنوات قليلة من إغلاق مصنع سمرقند. تم إنشاء ثالث وأكبر مصنع للورق عام 900 بعد الميلاد، وكان في دمشق. ثم امتد إلى قارات أخرى بما في ذلك أوروبا.

    على الرغم من أن وسائل الإعلام العربية تتابع باستمرار موضوع نقل تكنولوجيا صناعة الورق، إلا أن “صناع خراسان هم نموذج الورق الصيني”. يُقال إن مادة التخثر الخاصة بسمرقند المصنوعة من الورق المعجن والجلد والبلوط فريدة من نوعها. أنشأ الخليفة المعتصم مدينة سامراء عام 838 م، ووجدت كمية كبيرة من الفخار في بغداد، بعضها بقي في الصحراء. فقط الطين المستخدم في صنع خزف سامراء يمكن تمييزه عن الفخار القديم. أنتجت سامراء أباريق ذات أفواه مستقيمة ومقابض بآذان، بالإضافة إلى نقوش أخرى من عهد أسرة تانغ. المدن العربية مثل دمشق وصحار كان موجود فيها أيضا صناعة الحرير. ساعد التبادل التجاري والثقافي بين السيبيريين والعرب على تطوير الفن الإسلامي، ولا سيما صناعة الفخار.

    تظهر الأعشاب والنباتات الطبية أن الصيدليات العربية والأدوية كانت معروفة في الصين خلال حقبة أسرة تانغ. خلال عصر تيانباو (742-756 م) قام الإمبراطور بتخزينها مع الكولونيا والجوز والمجوهرات. منذ ذلك الحين، أدرجت الصيدلية الصينية زيت بذور الشمر وعلاجات عربية أخرى. وقد تم اطلاق الاسماء على بعض النباتات الطبية العربية والفارسية، بما في ذلك الزعرور واللبان.

    في عهد الإمبراطور شوان زونغ في حقبة أسرة تانغ، تم تجميع السجلات ونشرها في كتاب من سبعة مجلدات (712 م). خلال عهد أسرة يوان، بدأت الرياضيات العربية والإسلامية، بالإضافة إلى التأثيرات الثقافية الأخرى، في التأثير على الثقافة الصينية. وقد اعتمد التقويم الإسلامي خلال حقبة مينغ على تقويم 365 يومًا. أما في الوقت الحاضر، فقد أرست العلاقات السياسية والتجارية بين العرب والصين في العصر الحديث الأساس للتفاعلات الثقافية الواسعة، لا سيما بعد الاعلان عن مبادرة الحزام والطريق.

    *دكتور في العلاقات الدولية وباحث مستقل، يدرس السياسة الخارجية الصينية ومبادرة الحزام والطريق وقضايا شرق أوسطية والعلاقات الصينية-العربية. بحوذة الكاتب العديد من الدراسات المنشورة في مجلات رفيعة المستوى وصحف عالمية.

  • الحزام والطريق عبر سورية.. والإتجاه شرقاً

    الحزام والطريق عبر سورية.. والإتجاه شرقاً

    صحيفة الوطن السورية-

    الدكتور قحطان السيوفي:

    وقعت سورية والصين مؤخراً مذكرة تفاهم في إطار مبادرة الحزام والطريق، والتساؤل الذي يجول في خاطر الكثير منا هو، ما هي المبادرة الصينية، وما أهمية هذه المذكرة بالنسبة لنا؟

    تنفذ الصين مبادرة «حزام واحد، طريق واحد»، وتعتبر أكبر مشاريع البنية التّحتيّة والاستثمار في تّاريخ البشرية.
    يهدف المشروع لتعزيز التعاون الاقتصادي والاجتماعي بين الدول التي يمر بها، وأطلقت الصين مبادرة «حزام واحد، طريق واحد» أو ما يُعرف بمبادرة الحزام والطريق إحياءً لطريق الحرير في القرن التاسع عشر من أجل ربط الصين بالعالم، وتغطي المبادرة اليوم نحو 65 بالمئة من سكان العالم، وما يقرب 40 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
    الاقتصاد الصيني المُخطط بدأ بالتوسع في عام 1978 واستمر ينمو بمعدلات كبيرة قاربت 10 بالمئة لغاية عام 2014،
    وأطلقت الصين المبادرة عام 2013 بهدف دعم قدرتها على التصدير وتعدد مصادر الاستيراد.
    وهو إحياء لطريق الحرير القديم الذي كان يربطها بأوروبا وسمته «الحزام» والطريق البحري القديم وسمته «الطريق»، تقول الصين إنها تهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والاجتماعي بين الدول التي يمر بها.
    أنفقت الصين أكثر من 900 مليار دولار على هذه المبادرة التي تتضمن المحاور التالية:
    المحور التجاري: الصين ترغب في توسيع أسواق التصدير، والمبادرة ستخلق تعاوناً تجارياً ثنائياً أو أكثر يتحول تدريجياً إلى تحالفات.
    المحور النقدي: تسعى الصين لزيادة نسبة التبادل التجاري بالعملة الصينية «اليوان» ومن فوائده تعزيز اليوان عالمياً وتقليل تكلفة التبادل التجاري وتقليل وقت التسوية، قياساً على التعامل بالدولار أو اليورو، والحد من مخاطر تقلبات أسعار الصرف.
    العديد من الدول مثل روسيا وإيران وباكستان وفيتنام والهند وماليزيا تستخدم حالياً اليوان في التسويات التجارية.
    المحور الجيوسياسي: نعتقد أن المسار البحري وحتى البري بكل تفاصيلهما قد تم تصميمهما ليس فقط لأهداف تجارية بحته وإنما أيضاً لأهداف أخرى جيوسياسية قد تولد مستقبلاً تحالفات من نوع آخر، فقد وقعت أكثر من 100 دولة ومنظمة دولية وثائق تعاون مع الصين في إطار مبادرة الحزام والطريق ونُفذ 28 مشروعاً في عدة دول مختلفة باستثمارات تبلغ 5.4 مليارات دولار، كما بنيت شبكة كبيرة من خطوط السكك الحديدية في إطار المبادرة التي وصلت إلى 4 آلاف خط يربط بين الصين ودول آسيوية وأوروبية، وتخطت الاستثمارات الأجنبية بين الصين ودول المبادرة 70 مليار دولار.
    وتتضمن المبادرة تشييد شبكات من السكك الحديدية، وأنابيب نفط وغاز، وخطوط كهرباء، وإنترنت، وبنى تحتية بحرية، ما يعزز اتصال الصين بالقارة الأوروبية والإفريقية.
    ستمر المشاريع التي تندرج تحت المبادرة بالمراحل التالية:
    1. الجسر القاري الأوراسي الجّديد.
    2. ممر الصّين – شبه الجزيرة الهندية.
    3. ممر الصّين – آسيا الوسطى – غرب آسيا.
    4. ممر الصّين – باكستان.
    5. ممر الصّين – بنغلاديش – الهند – ميانمار.
    تعهدت الصّين بتخصيص 126 مليار دولار للمبادرة على أن تقوم كل دولة مشاركة بتمويل مشاريع البنية التّحتيّة التي تمر بها بنفسها، وتقوم بنوك أنشئت لهذا الغرض بتقديم قروض للتمويل، وأهمها: البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وصندوق طريق الحرير.
    بالنسبة للشّرق الأوسط تشير خطط المبادرة إلى تبنيها ستة خطوط، يمر نصفها أو ينتهي على ضفاف المتوسط.
    السّياسة الخارجيّة الصّينيّة في الشّرق الأوسط تركز على تهدئة المنطقة التي توصف عادة بعدم الاستقرار، بسبب الحروب والإرهاب. على الصعيد الأوروبي انقسمت دول أوروبا بين متفائل وقلق، فبدا الحماس في أوروبا الشّرقيّة والوسطى للاستثمارات الصّينيّة واضحاً، أما دول أوروبا الغربيّة وخاصة الشّمالية فلا تخفي قلقها، وتلتزم عدّة دول أوروبيّة الحذر كألمانيا وفرنسا.
    تعد هذه المبادرة منافسة لاتفاقية الشراكة التجارية بين الدول المطلة على الأطلنطي التي تقودها الولايات المتحدة، والتي
    تهاجم المبادرة الصينية، وتتهمها بإيقاع الدول النامية في ديون بعرض تمويل رخيص لا يمكنها تحمّله، وقد أكد الرئيس الصيني أن المبادرة ستواصل رفض «الحمائية»، في انتقاد لواشنطن التي تبنّت سياسات حمائية في عهد الرئيس دونالد ترامب.
    أكد الرئيس الصيني أن مبادئ السوق ستطبق في جميع مشاريع التعاون التي تتضمنها المبادرة على حين تلعب الدول دوراً داعماً.
    لقد وقعت سورية والصين مذكرة تفاهم في إطار مبادرة “الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري في القرن الحادي والعشرين”، بدمشق، وسورية نهاية طريق الحرير في آسيا وبداية انطلاقته باتجاه أوروبا وإفريقيا، وبموجب المذكرة تكون سورية قد انضمت إلى مبادرة الحزام والطريق، ما يساعد على فتح آفاقٍ واسعة من التعاون مع جمهورية الصين الشعبية، وذلك في عدة مجالات تتضمن تبادل السلع والتكنولوجيا، ورؤوس الأموال، وتنشيط حركة الأفراد، إضافة إلى التبادل الثقافي.
    عملياً المذكرة تأتي كمرحلةٍ من مراحل الدعم المتواصل الذي قدمته وتقدمه حكومة الصين الصديقة لسورية، وهي مكملة للمساعدات الإنسانية والإغاثية التي قدمتها الصين والتي ساهمت في تخفيف معاناة الشعب السوري جراء الحرب الكونية الإرهابية على سورية.
    تضمنت المذكرة مقترحات لربط مجموعة من الطرق البحرية والبرية لتسهيل التبادل التجاري مع الدول المجاورة وإنشاء مناطق تجارية إلى جانب إنشاء محطات توليد كهرباء، وهذا يسهم بمشاركة الشركات الصينية بمرحلة إعادة الإعمار إلى جانب التغلب على العقوبات الغربية الأحادية الجانب الظالمة المفروضة على سورية.
    أخيراً نؤكد أهمية وضرورة الاتجاه شرقاً في ظل الحصار والعقوبات الاقتصادية الظالمة وقد جاءت مذكرة التفاهم مع الصين لتترجم هذا التوجه الوطني الواقعي القائم على المصالح الاقتصادية والجيوسياسية مع دولة عظمى صديقة للسير معاً على طريق الحرير عبر سورية.

  • وسائل الإعلام الأمريكية تشيطن مبادرة “الحزام والطريق”

    وسائل الإعلام الأمريكية تشيطن مبادرة “الحزام والطريق”

    صحيفة البعث السورية-

    هناء شروف:

    على الرغم من محاولات بعض وسائل الإعلام الأمريكية إثارة ضجة حول ما يُسمّى بـ”أزمة الديون السريلانكية”، وإلقاء اللوم على الصين، تظل الحقيقة أن مزاعمهم كاذبة وملفقة من قبل الغرب والولايات المتحدة لتضليل الرأي العام العالمي، وتشويه سمعة الصين، وخاصة شيطنة مبادرة “الحزام والطريق”.

    صحيح أن ديون سريلانكا مرتفعة نسبياً، لكنها لا تواجه أزمة ديون، حيث يمثل الدين الخارجي لـ سريلانكا، والبالغ 35 مليار دولار، نحو 75 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، بينما يتجاوز دين العديد من الدول الغربية 100 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. ومن المتوقع أن يصل سداد الديون الخارجية لسريلانكا إلى ذروته هذا العام، وربما لهذا السبب قامت بعض وسائل الإعلام بتضخيم “أزمة الديون” السريلانكية.

    ترجع مشكلة سداد الديون الخارجية التي تواجهها سريلانكا بشكل أكبر إلى الاقتراض المفرط على مرّ السنين، وترتيب هيكل الديون غير المناسب. بالإضافة إلى ذلك أدّت الهجمات الإرهابية في عام 2019، وتفشي وباء كورونا في عام 2020 إلى زيادة العجز التجاري للبلاد، وتقليص عائدات السياحة مما أدى إلى تفاقم نقص النقد الأجنبي. ونظراً لأن سريلانكا بحاجة إلى سداد 60 في المائة من الديون بالدولار الأمريكي فقد أدى تقلص احتياطيات النقد الأجنبي -1.6 مليار دولار- إلى زيادة ضغط سداد ديونها، ما يعني أن سريلانكا تواجه نقصاً في النقد الأجنبي وليس أزمة ديون.

    في الواقع تساعد الصين سريلانكا على تعزيز تنميتها الاقتصادية والاجتماعية، وستواصل القيام بذلك، لكن الولايات المتحدة تستخدم نقص النقد الأجنبي في سريلانكا لتلفيق قصص مرعبة عن ديونها. على سبيل المثال، خفضت وكالة “ستاندرد آند بورز” مؤخراً التصنيف الائتماني لسريلانكا من CCC + إلى CCC ، مدعيةً أن سريلانكا تخاطر بالتخلف عن سداد الائتمان السيادي، الأمر الذي دفع وسائل الإعلام بدورها إلى نشر ما يُسمّى بقصة أزمة الديون.

    إلى جانب ذلك تعدّ الاقتصادات الغربية الدائنين الرئيسيين لسريلانكا، حيث جاء 54 في المائة من القروض الخارجية للبلاد من سوق رأس المال الدولي. في المقابل، تمثل ديون سريلانكا للصين نحو 3.38 مليارات دولار بشكل قروض، حيث تعتبر الصين رابع أكبر دائن لسريلانكا بعد المؤسّسات المالية الدولية، وبنك التنمية الآسيوي واليابان.

    وتقول وسائل الإعلام الغربية إن الصين تقود سريلانكا إلى “فخ الديون”، لكن قبل هذا الكلام يجب على الدول المتقدمة أن تجعل حسابات قروضها عامة قبل اتهام الصين بممارسة سياسات قروض “مبهمة” حتى يتمكن المجتمع الدولي من معرفة كيف ولأي أغراض يتمّ استخدام مساعداتها وقروضها للدول النامية؟.

    يمكن أن تُعزى مشكلات الديون في العديد من البلدان النامية، بما في ذلك سريلانكا بشكل رئيسي، إلى الأسواق المالية التي يهيمن عليها الغرب والنخب المحلية. من هنا فإن الغرب غير قادر على قبول حقيقة الصين الصاعدة، لذلك اختلقوا “نظرية مصيدة الديون” وشوّهوا مبادرة “الحزام والطريق”، ويحاولون تشويه صورة الصين الدولية، ما يعني أن الغرب بقيادة الولايات المتحدة سيواصل استغلال البلدان النامية، ويمكن للولايات المتحدة أن تحافظ على احتكارها المالي العالمي.

    في تشرين الأول 2021، أصدرت كلية “وليام وماري” في الولايات المتحدة تقريراً جاء فيه أن الصين منحت قروضاً ضخمة عالية الفائدة للبلدان منخفضة ومتوسطة الدخل في إطار “الحزام والطريق”. لكن في الواقع أن العديد من هذه التقارير المقّنعة بصورة “بحث أكاديمي”، كانت -وهي قيد الإعداد- لنشر الأكاذيب ضد الصين. وبمجرد صدور مثل هذه التقارير تقوم بعض وسائل الإعلام الغربية على الفور بتقديمها على أنها “أدلة” جديدة للتشكيك بمبادرة “الحزام والطريق” التي لم يقع أي بلد نامٍ في “فخ الديون” نتيجة الانضمام إلى مبادرة “الحزام والطريق”، وعليه فإن خطاب “الديون الخفية” يعكس الحيل المعتادة للغرب الذي تقوده الولايات المتحدة.

    مبادرة “الحزام والطريق” هي فرصة وليست فخاً للدول، لأن الدول النامية تحتاج إلى الاقتراض لتعزيز تنميتها من خلال بناء البنية التحتية، وتحسين بيئة الاستثمار، وخلق فرص العمل، وهذه القروض هي ديون جيدة لأنها يمكن أن تساعد تلك الدول على تحقيق التنمية المستدامة.

    في الواقع، ساعدت العديد من السكك الحديدية، والطرق السريعة والموانئ، ومحطات الطاقة وغيرها من المشاريع التي تمّ إنشاؤها في هذا الإطار الناس في العديد من الدول على زيادة دخولهم. ووفقاً لتقرير البنك الدولي من المرجّح أن يؤدي البناء المشترك للحزام والطريق إلى انتشال نحو 7.6 ملايين شخص من الفقر المدقع، و32 مليون شخص من الفقر المعتدل في دول مختلفة بحلول عام 2030. وهذا يعني أن مبادرة “الحزام والطريق” تتوافق مع الاتجاه التاريخي للتضامن والتعاون والتنمية المشتركة.

    إنه لمن النفاق أن تزعم الدول الغربية التي سيطرت على شريان الحياة الاقتصادي للدول النامية منذ الثورة الصناعية ودفعت بها إلى الفقر، أنها تهتمّ بمشكلة ديون الدول النامية. أي أن هدفهم ليس حماية مصالح الدول النامية، ولكن ضمان عدم انتشار نفوذ الصين، لأنه إذا كان للصين مكانها الصحيح في الشؤون العالمية فلن تضطر أي دولة إلى الاستماع إلى إملاءات الغرب ولن تعاني من الاستغلال.

  • مبادرة الحزام والطريق الفرص والتحديات (المنطقة المغاربية)

    مبادرة الحزام والطريق الفرص والتحديات (المنطقة المغاربية)

     

    موقع مبادرة الحزام والطريق بعيون عربية ـ
    فاطمة لمحرحر:
    ارتبط حكم الرئيس الصيني “شي جين بينغ”، ومعه الجيل الخامس لقادة الصين الشعبية، بوضع توجه انفتاحي إرادي في علاقات الصين الدولية، وتأكيد طموح الصين لتصبح فاعلا قويا داخل حلبة العولمة.
    وفي هذا الإطار، طرح الرئيس الصيني مبادرة الحزام والطريق سنة 2013، التي تمد النفوذ الصيني إلى مناطق واسعة من العالم في أوروبا وإفريقيا وآسيا، من خلال شبكة الطرق والموانئ والمطارات ومشاريع البنية التحتية، ويبدو أن هذه المبادرة سوف تحدد ملامح جديدة لتوازنات القوى في النظام الدولي، وهي مبادرة يمكن اعتبارها مشروع القرن الاقتصادي في العالم.
    وهكذا، بدأت الصين تعرض حلمها الكبير على العالم، المرتبط بمشروع طريق الحرير الجديد؛ يذكر الصينيون من خلال هذا المشروع بطريق الحرير الذي كان يربط بلدهم مع أوروبا بين القرن السابع والقرن الثالث عشر في عز ازدهار الحضارة الصينية.
    وتماشيا مع ذلك، تستعيد مبادرة الحزام والطريق الصينية الذكريات التاريخية لطريق الحرير، والذي كان حلقة وصل في التواصل والتجارة والتفاعل بين الحضارات. أما الصيغة المعاصرة من هذا الطريق، فالهدف منها هو تعزيز السياسات الاقتصادية والخارجية للصين، وترجع جذور هذه المبادرة إلى النجاح الاقتصادي الذي تتمتع به الصين من جراء الاعتماد على تطوير منشآت البنية التحتية.
    وتسعى المبادرة إلى محاكاة الاستراتيجية الاقتصادية خارج حدود الصين، وتهدف إلى تحقيق ذلك من خلال محاولة إنشاء مسارات تجارية برية وبحرية تربط بين الصين وأوروبا عبر المرور في آسيا وإفريقيا إلى المساعدة في رفع معدلات نموها، ولا سيما في وسط وغرب الصين، وكذلك رفع معدلات النمو في البلدان الأخرى.
    وتجدر الإشارة هنا إلى أن استراتيجية الحزام والطريق تنطوي على أهمية اقتصادية كبيرة بالنسبة للدول المشاركة بها، إذ إنها تعزز مكانة كل دولة من هذه الدول، كشريك تجاري للصين صاحبة الاقتصاد الأوفر حظا للنمو على مستوى العالم في الوقت الحالي، ولذلك تمثل المشاركة في المبادرة فرصة كبيرة لهذه الدول للحصول على حصة من أسواق الواردات الصينية من مدخلات الإنتاج من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن المشاركة تمكن تلك الدول من الحصول على المنتجات النهائية الصينية لتلبية احتياجات أسواقها المحلية.
    وتمثل المبادرة فرصة جديدة لدمج اقتصاد كل دولة مشاركة في الموجة الجديدة من العولمة، التي تلعب الصين فيها دورا محوريا، خاصة أن المشاركة في المبادرة تربط اقتصادات هذه الدول بالصين، وببعضها البعض، ما يساعد على الاستفادة من الفرص الاستثمارية المتاحة بكل منها، ويمكنها من تبادل الخبرات وتنفيذ المشروعات والمبادرات المشتركة.
    وفي هذا السياق، تخضع المتابعة التاريخية لعلاقات الصين بالمنطقة المغاربية إلى مقاربتها في التعامل مع العالم العربي من جهة، ومع القارة الإفريقية من جهة ثانية؛ وهذا شيء طبيعي ما دامت هذه المنطقة تمثل الجزء الغربي للفضاء العربي والجزء الأكبر لشمال إفريقيا.
    وكما هو الحال بالنسبة إلى إفريقيا، فإن الاعتبارات السياسية هي التي تحكمت في البداية في العلاقات الصينية المغاربية، فالصين الشعبية دعمت منذ سنة 1949 بوضوح كفاح البلدان المغاربية من أجل الاستقلال، على الرغم من أنها لم تحتل موقعها الطبيعي داخل الأمم المتحدة حتى السبعينيات.
    ومن منظور أخر، فإذا كانت السياسة الخارجية لدول المغرب العربي تتميز بكونها تتحرك في إطار جغرافي محدود يتمثل في علاقاتها مع الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، فهذا لم يعد كافيا لتحقيق المصالح الحيوية لتلك الدول، بل يتعين عليها اليوم تكييف سياساتها وسلم أولوياتها بشكل مستمر ليتوافق مع التحولات التي فرضتها المتغيرات السياسية والاقتصادية في العالم، وليتماشى مع توسع جغرافية المصالح.
    وإذا نظرنا إلى التحليلات والدراسات الاستراتيجية المرتبطة بالمكانة التي تحتلها المنطقة المغاربية في ساحة التنافس والصراع الجيوسياسي للقوى الدولية، يمكن للباحث الاستعانة بنماذج جديدة للعلوم الاجتماعية بهدف التفسير، كالجغرافيا الاقتصادية والجغرافيا السياسية وتحديد المواقع.
    وفي هذا الإطار، يتعين النظر إلى دور المنطقة المغاربية في الفضاء العالمي، أي في الاقتصاد والدبلوماسية والتوازنات الجيوسياسية في العالم، فهي تشكل سوقا استهلاكية واعدة.
    وبالنظر إلى متغيرات دراسة قوة الدول في النظام السياسي للعلاقات الدولية للقرن الحالي الذي تزداد فيه العلاقات المتبادلة، سيجري قياس قوة أي دولة بناء على ثقلها النوعي في ساحة التأثير الدولية، فقيمة الدولة الحقيقية ليس في قوتها داخل محيطها وحسب، بل أيضا في التأثير الاقتصادي والسياسي، إضافة للتأثير الدبلوماسي والثقافي.
    وعند النظر إلى التحولات الجديدة في الاقتصاد السياسي الدولي، وتوزيع الموارد الجيو- اقتصادية في المناطق الجغرافية، نجد أحد المفكرين الاستراتيجيين يقول “إن القرن الواحد والعشرين مرشح لأن يكون قرنا آسيويا في بدايته، وإفريقيا في نهايته”.
    ويكاد يجمع عدد كبير من الباحثين وحتى صناع القرار الصينيين، على أن الصين تملك ثقافة استراتيجية تختلف تماما عن تلك الثقافة الاستراتيجية الغربية، فهي تملك رؤية مختلفة في السياسة الخارجية على عكس ما هو رائج لدى العديد من الباحثين الغربيين، من أن السياسة الصينية لا تختلف عن غيرها من سياسات القوى الكبرى.
    وفي هذا السياق، تروج الصين لمبادرة الحزام والطريق باعتبارها مشروعا يتيح القدرة على حل العديد من المشكلات التنموية ليس في الصين وحسب وإنما في جميع الدول المشاركة فيها، وتقوم المبادرة على مبادئ السلام والتعاون والانفتاح والشفافية وتمثيل الجميع، والمساواة والمنفعة المشتركة والاحترام المتبادل وتكافؤ الفرص.
    وتعتبر مبادرة الحزام والطريق، إحدى الاستراتيجيات التي تعتمدها الصين في سياستها الخارجية لزيادة نفوذها على المستوى الإقليمي والدولي، فرغم أنها مبادرة اقتصادية إلا أن أبعادها السياسية والأمنية والثقافية تبرز مع التقدم في المشاريع المبرمجة وتفاعل الدول معها.
    غير أن الصين لم تضع خطة شمولية معينة في مقاربتها للمنطقة المغاربية، بخاصة أن مكونات المنطقة غير متضامنة مع بعضها، وأن المنطق المغاربي غائب في تعاملها مع الغير.
    وهكذا، تعاملت الصين مع كل بلد مغاربي انطلاقا من الاعتبار الاقتصادي والخصوصية الاقتصادية لكل بلد، وبالتالي ارتقى بشكل لافت مستوى معاملاتها مع أقطار المنطقة التي تمتلك موارد نفطية وغازية قابلة للتصدير، فهي تمثل بالنسبة إلى الصين مصدرا لمنتوجات الطاقة والمعادن.
    وفي هذا الإطار، وجهت الصين العناية إلى البلدان المغاربية ذات الفوائض المالية لتدخل مقاولاتها في مشاريع التجهيز والطرق والموانئ والبناء، وإلى حد ما المغرب وموريتانيا، وهي تعتبر في آخر الأمر أن الأسواق المغاربية مع اختلاف إمكانياتها تعد منفذا لسلعها الصناعية.
    وتماشيا مع ذلك، تمكنت الصين من كسب ثقة الدول المغاربية، بهدف تحقيق مصالحها في المنطقة، والمتمثلة في تأمين مصادر الطاقة، والتي يعتبر المغرب العربي واحدا منها، بالإضافة إلى خلق مجال نفوذ للصين كي تظهر بمظهر القوة العظمى، ولقد استطاعت الصين أن تحقق نجاحا كبيرة في هاته المنطقة في شتى المجالات السياسية والاقتصادية وحتى في المجال الأمني والثقافي، فاقت بكثير النجاحات التي حققتها كل الولايات المتحدة الامريكية واليابان، وذلك راجع إلى السياسة التي اتبعتها الصين خلال المرحلة الجديدة، والتي تعتمد على مفهوم التنمية السلمية، والصعود السلمي الذي يركز على التعاون والصداقة والنفع المتبادل، وهذا ما جعلها تفوز بقبول كبير لدى الدول المغاربية.
    وبالتالي، فإن الحكومة الصينية تعتبر استراتيجية الحزام والطريق قلب السياسة الخارجية الصينية، لذا فإن البعد الجيواستراتيجي لهذه الاستراتيجية يكمن بالأساس في رغبة الصين بتعزيز الثقة السياسية اقليميا مع دول الجوار الشرقي والجنوبي، فضلا عن المشاكل المتأتية من الجوار الغربي، والأهم من الناحية الجيواستراتيجية هو مسعى الصين في تغيير نمطية النظام الدولي الحالي والانتقال به من نظام تهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب.
    وأخيرا، يمكن القول أن السياسة الخارجية الصينية في الدول المغاربية حققت تقدما كبيرا في العقد الأخير على المستوى الجيو-اقتصادي، والذي تمثل في جعل هذه المنطقة خزانا للمواد الأولية الضرورية للصين؛ لمواصلة بناء اقتصادها الصاعد، حيث أن بكين في طريقها إلى إضعاف الحضور الاقتصادي للقوى الاستعمارية السابقة مثل فرنسا، كما أنها أصبحت المنافس الأساسي للوجود الأمريكي بالمنطقة.
    هذا، وتعتبر المنطقة المغاربية محورا رئيسيا في مبادرة طريق الحرير الذي سيمكن الصين من فتح خط لدعم صناعاتها من خلال الموارد والثروات الخام الأتية من دول المنطقة (ليبيا، الجزائر) بأقل تكلفة سواء من حيث نقل هذه المواد أو أسعارها؛ كما أن مبادرة طريق الحرير ستمكن الصين من زيادة وارداتها وتوسيع أسواقها في شمال إفريقيا.
    وفي السياق، قامت الصين في العقد الأخير بتوطيد علاقاتها مع الدول المغاربية وقدمت الحوافز والمساعدات لتكون شريكا استراتيجيا لهذه الدول، كما أن الدول المغاربية لا تمتلك بدائل كثيرة فهي مجبرة على قبول المساعدات والمنح والترحيب بالشريك الصيني مساهمته في التنمية الاقتصادية؛ ومن المنتظر أن تغير مبادرة طريق الحرير خريطة إفريقيا، ليس فقط من ناحية خطوط التجارة وإنما أيضا من الناحية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

    *باحثة في الدراسات السياسية والعلاقات الدولية من المغرب

    لائحة المراجع:
    – فتح الله ولعلو، نحن والصين الجواب على التجاوز الثاني، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 2017.
    – إسلام عيادي، مبادرة الحزام والطريق الصينية: مشروع القرن الاقتصادي في العالم، اصدارات المركز الديمقراطي العربي، الطبعة الأولى، برلين، 2019.
    – جين ليانجشيانج/ إن جاناردان، مبادرة الحزام والطريق: الفرص والمعوقات أمام منطقة الخليج، أكاديمية الإمارات الدبلوماسية، يونيو 2018.
    – علي صالح، “مشروع الحزام والطريق: كيف تربط الصين اقتصادها بالعالم الخارجي؟”، تقرير المستقبل، مجلة اتجاهات الأحداث، العدد 26، 2018.
    – توفيق عبد الصادق، ” مرتكزات السياسة الخارجية للصين في إفريقيا”، سياسات عربية، العدد 5، نوفمبر 2013.
    – Thierry Pairault, Booming Sino- Maghreb economic relations : incentives for a new European partnership, HAL, Institute for Peace and Security Studies and Institute of African Studies, Ethiopia, Nov 2013
    – مجموعة مؤلفين، دور الثقافة الاستراتيجية في توجيه السياسة الصينية تجاه دول المغرب العربي 2001-2017، مؤلف جماعي، الطبعة الأولى، برلين، 2018.
    – باهر مردان مضخور، “استراتيجية الحزام والطريق الصينية للقرن الحادي والعشرين: بنك الاستثمار الآسيوي للبنية التحتية أنموذجا”، مجلة دراسات دولية، العدد 67، أكتوبر 2017.
    – توفيق عبد الصادق، “مرتكزات السياسة الخارجية للصين في إفريقيا”، سياسات عربية، العدد 5، نوفمبر 2013.

  • الأردن ومبادرة الحزام والطريق..هل من فرصة لاغتنامها؟

    الأردن ومبادرة الحزام والطريق..هل من فرصة لاغتنامها؟

    صحيفة الرأي الأردنية (نقلا عن موقع سفارة جمهورية الصين الشعبية في الأردن على الإنترنت) ــ
    الدكتور محمد أبوحمور:

    حظيت مبادرة الحزام والطريق التي تدخل عامها السابع باهتمام عالمي واسع وعلى مختلف المستويات، فهذه المبادرة المستوحاة من الارث التاريخي للصين تهدف الى تعزيز التجارة وتدفقات رؤوس الاموال بين دول العالم ويشير المصطلح الى مجموعة من الطرق البرية والبحرية التي تنطلق من الصين نحو مختلف الدول عبر مسارات متعددة تصل لحوالي 60 دولة، وخلال الدورة الثانية لمنتدى مبادرة الحزام والطريق الذي حضره ممثلو أكثر من 150 دولة، أعلنت الصين انه قد تم توقيع مذكرات تفاهم مع 126 دولة و29 منظمة دولية، وقد بلغ حجم تجارة الصين مع دول الحزام والطريق خلال اول تسعة اشهر من عام 2019 حوالي 940 مليار دولار، وتؤكد الصين ان مبادرة الحزام والطريق هي منصة مفتوحة لمشاركة كافة الدول، ووفقاً لبعض البيانات فقد استثمرت الشركات الصينية أكثر من 90 مليار دولار في دول «الحزام والطريق» بين عامي 2013 و 2018، كما منحت ما بين 200 و 300 مليار دولار قروضاً بين عامي 2013 و 2018، كما أن دول «الحزام والطريق» ?ستثمرت أكثر من 40 مليار دولار في الصين خلال نفس الفترة، وبلغ حجم التجارة التراكمي للصين مع دول المبادرة اكثر من 5.7 تريليون دولار، لتصبح بذلك أكبر شريك تجاري لـ 25 دولة.

    خلال النصف الاول من عام 2019 أصدر البنك الدولي سلسلة من الاوراق المتعلقة بالمنافع والتكاليف المرتبطة بمبادرة الحزام والطريق، وتم تجميعها في تقرير بعنوان «اقتصاديات الحزام والطريق: الفرص والمخاطر»، وأشار التقرير الى أن ممرات النقل في مبادرة الحزام والطريق لديها إمكانية كبيرة لتحقيق تحسينات واسعة في التجارة والاستثمار الأجنبي وظروف المعيشة للمواطنين في البلدان المشاركة فيها، ولكن شريطة تبنَّى إصلاحات عميقة للسياسات تزيد من الشفافية، وتُحسن القدرة على تحمُّل أعباء الديون، وتحُد من المخاطر البيئية والاجتماعية ?مخاطر الفساد، كما أن مشروعات النقل في إطار المبادرة قد تؤدي إلى تعزيز التجارة بنسبة تتراوح بين 1.7% و6.2% على مستوى العالم وبنسبة 2.8% إلى 9.7 % بالنسبة للدول المشاركة، وزيادة الدخل الحقيقي عالميا بنسبة من 0.7% إلى 2.9%، ويمكن أن يزيد الدخل الحقيقي للاقتصادات الواقعة على امتداد ممرات المبادرة بمقدار مثلين إلى أربعة أمثال إذا نفذت إصلاحات لتقليص التأخيرات على الحدود وتخفيف القيود التجارية، كما تمت الاشارة الى أن الاستثمارات المرتبطة ببرنامج المبادرة يمكن أن تساعد في انتشال 8.7 مليون شخص من الفقر المدقع، و34?مليون آخرين من الفقر المعتدل في مجموعة متنوعة من الدول»، وحققت مناطق التعاون التي أقامتها الصين بالاشتراك مع 24 دولة مشاركة، أكثر من ملياري دولار من العائدات الضريبية وحوالي 300 ألف فرصة عمل للدول المضيفة.

    وتسعى جمهورية الصين الشعبية الى تبديد المخاوف وطمأنة الدول المشاركة بانها ولدى تنفيذها للبرنامج الضخم لإنشاء بنية تحتية تربط بين آسيا وأوروبا وأفريقيا، تحرص على مراعاة الشفافية وعدم التسامح مع الفساد مع التأكيد على تحقيق المزيد من الإنفتاح الاقتصادي وتوسيع التعاون التجاري والاستثماري، وفي الوقت الذي كثر الحديث فيه عن توقع أزمة مالية عالمية والتخوفات من تباطؤ النمو توفر مبادرة الحزام والطريق أفاقاً جديدة للنمو الاقتصادي في العديد من البلدان، خاصة وان تنفيذها يتم في اطار من عدم التدخل في الشؤون الداخلية مع ح?ص الصين على بناء العلاقة مع الشركاء على قدم المساواة ودون فرض الهيمنة فالهدف هو الشراكة والتحفيز الاقتصادي الذي يحقق مصالح مختلف الاطراف المشاركة، وعملياً فان هذه المبادرة، واضافة الى كونها تشكل جسراً حيوياً يفتح الباب واسعاً أمام المنتجات الصينية للوصول إلى حوالي 65% من سكان العالم، فهي ايضاً تساهم بفعالية في تنمية التبادلات التجارية والاستثمارية بين الدول المختلفة وتوفر فرص نمو اقتصادي تحمل في طياتها اثاراً ايجابية لمختلف الاطراف، وتؤكد الجهات الصينية ان المبادرة تنبع من روح الانفتاح والشمولية والمنفعة ا?متبادلة ولا تتضمن أي نية للتدخل في الشؤون الداخلية ولا لتصدير ايديولوجيا أو نموذج التنمية الصيني، ولا فرض إرادة على آخرين، وأنها، أي المبادرة تعتمد مبدأ «التشاور الشامل والتنمية المشتركة والمنافع المتبادلة»، بهدف تحقيق تنمية ذاتية مع توفير الفرص والخبرات ورأس المال في الوقت نفسه للشركاء في مبادرة الحزام والطريق، وقد أدرجت مؤسسات دولية ومنصات تعاون رئيسية رؤية المبادرة في وثائقها، بما في ذلك الأمم المتحدة ومجموعة العشرين ومنتدى التعاون الاقتصادي لمنطقة آسيا-الباسيفيك ومنظمة شانغهاي للتعاون، ومنذ انشائه عم 2?14أصبح البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية أحد المنصات الرئيسية متعددة الأطراف لبناء الحزام والطريق، وبحلول نهاية عام 2018، تمت الموافقة على قروض بقيمة 7.5 مليار دولار أميركي لإجمالي 35 مشروعا في 13 دولة.

    تحتل الدول العربية موقعاً متميزاً على الخريطة العالمية وهي بذلك تستطيع ان تكون ليس فقط احد كبار المستفيدين وأنما ايضاً من كبار الداعمين لنجاح مبادرة الحزام والطريق خاصة وان العلاقات بين المنطقة العربية والصين تضرب جذورها عميقاً في التاريخ، وشكلت احدى المحطات الرئيسة في طريق الحرير القديم اضافة الى التبادلات التجارية التي كانت تتم عبر السواحل العربية المختلفة، وكلنا يذكر المقولة المشهورة «أطلب العلم ولو في الصين»، واليوم اذا قيمنا واقع وافاق هذه العلاقات بالمنظور الاقتصادي البحت سنجد ان امكانيات التكامل وال?عاون تبشر بمكاسب واسعة للطرفين، فقد أظهرت البيانات الصادرة عن وزارة التجارة الصينية أن حجم التجارة بين الصين والدول العربية بلغ 244.3 مليار دولار أميركي في عام 2018، بزيادة 28 % على أساس سنوي. وقد أصبحت الصين ثاني أكبر شريك تجاري للدول العربية وتجاوز حجم الاستثمار الصيني المباشر في الدول العربية 15 مليار دولار أميركي، وفي ضوء النمو المضطرد الذي يحققه الاقتصاد الصيني تزداد احتياجات الصين لمصادر الطاقة المتواجدة بوفرة في المنطقة العربية، أضف لذلك تعد الدول العربية من الاسواق المهمة والتي تستوعب العديد من الم?تجات الصينية، وفي نفس الوقت تحتاج الدول العربية أو العديد منها الى استكمال بنيتها التحتية وجذب استثمارات توفر فرص عمل لمواطنيها وتعزيز قدراتها الفنية والتكنولوجية والانتاجية وتنويع اقتصاداتها وكل ذلك يمكن تحقيقه عبر الشراكة من خلال مبادرة الحزام والطريق خاصة اذا تم ايجاد تناغم بين خطط التنمية في الدول العربية المختلفة وهذه المبادرة، مع البناء على ما تم انجازه حتى الان، وكانت الصين قد أعلنت في الاجتماع الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني العربي في تموز 2018 أنها والدول العربية اتفقا على تأسيس شراكة استراتي?ية ذات توجه مستقبلي للتعاون الشامل والتنمية المشتركة، وقد بلغ عدد الدول العربية التي وقعت اتفاقيات تعاون بشأن الحزام والطريق مع الصين ثماني عشرة دولة، وتوسع التعاون بين الصين والدول العربية في إطار مبادرة الحزام والطريق ليشمل الطاقة الطاقة والبنى التحتية واللوجستيات والتجارة والمالية والتكنولوجيا وغيرها، ومن المؤكد ان الدول العربية لو استطاعت ان تطرح مشاريعها وارائها في اطار هذه المبادرة ككتلة موحدة لاستطاعت ان تجني الكثير من المزايا والمنافع الاضافية.

    سيشهد هذا العام حدثاً مهماً ليس فقط على صعيد العلاقات الاردنية الصينية فقط وانما ايضاً العلاقات العربية مع الصين بشكل عام حيث سيعقد في الاردن الاجتماع الوزاري التاسع لمنتدى التعاون الصيني العربي وهي فرصة للتفكير ملياً وبشكل منهجي وعلمي حول كيفية الاستفادة من التجربة التنموية في الصين، فهذه الدولة التي ستحتفل هذا العام بعيد استقلالها الحادي والسبعين استطاعت خلال فترة زمنية قصيرة ان تحقق انجازات قل مثيلها وذلك عبر التركيز على نموذج خاص بها ينطلق من تراثها وامكانياتها ولينقلها الى مصاف الدول الرائدة على مختلف?المستويات، فقد انتقلت من اقتصاد زراعي متخلف الى اقتصاد صناعي وانتاجي متطور، واستطاعت ان تقدم تجربة فريدة في مكافحة الفقر ورفع مستوى معيشة المواطنين وبذلك تميزت انها لم تكن نهضة اقتصادية فحسب بل نهضة انعكست اثارها الايجابية على مختلف مكونات المجتمع، فعلى سبيل المثال ووفقاً لتصريحات السفير الصيني فقد ارتفع نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي للصين من حوالي 70 دولارا إلى 9.5 ألف دولار، كما استطاعت الصين تخليص أكثر من 700 مليون فرد من الفقر وتشكيل أكبر نطاق للطبقة المتوسطة حول العالم مكونة من 400 مليون فرد، وب?اء نظام التأمين للتقاعد لحوالي 900 مليون فرد، كما تمكنت من بناء نظام التأمين الصحي لحوالي مليار و300 مليون فرد، وتحقيق نظام التعليم الإلزامي المجاني لتسع سنوات، بالإضافة إلى بناء أكبر شبكة ضمان اجتماعي في العالم أجمع، وهذه الحقائق نسوقها لنوضح بشكل جلي ان الصين واجهت مصاعب شبيهة بتلك التي نواجهها في الاردن اليوم، لذلك فان فرصة الاستفادة من التجربة تبدو منطقية ومعقولة، خاصة وان العلاقات بين الاردن والصين شهدت تطوراً لافتاً خلال السنوات القليلة الماضية بفضل الجهود الحثيثة لجلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الل? حيث تم رفع مستوى العلاقات الثنائية إلى الشراكة الإستراتيجية خلال زيارة جلالته للصين في العام 2015.

    واذا استعرضنا العلاقات الاقتصادية بين الاردن والصين، نجد ان الصين كانت خلال الاعوام الاخيرة ثالث أو ثاني أكبر الشركاء التجاريين للمملكة، وقد بلغت مستوردات المملكة من الصين خلال أول عشرة شهور من عام 2019 حوالي 1.9 مليار دينار، وبزيادة نسبتها 13% مقارنة بنفس الفترة من العام السابق، وهذا يمثل حوالي 20% من مستوردات الاردن، اذا استثنينا النفط الخام ومشتقاته، وفي ميدان الاستثمارات تستثمر الصين في عدد من المشاريع الهامة منها على سبيل المثال مشروع محطة العطارات لانتاج الطاقة من الصخر الزيتي وباستثمار يزيد عن مليار?دولار، كما قامت احدى الشركات الصينية بشراء ما يزيد عن ربع أسهم شركة البوتاس العربية، لتصبح بذلك من أكبر المستثمرين في الشركة، كما لا بد من الاشارة ايضاً الى ان اول شركة في الأردن والعالم العربي تم ادراج اسمها في بورصة ناسداك بالولايات المتحدة هي شركة «جرش القابضة » والتي أنشأت باستثمار صيني ووفرت العديد من فرص العمل في مناطق مختلفة من المملكة.

    كما تقوم الصين ايضاً بتقديم مجموعة متنوعة من المساعدات للمملكة يمكن تصنيفها ضمن ثلاث قطاعات اساسية وتشمل البنية التحتية حيث تم في هذا المجال انجاز عدد من المشاريع مثل مدينة معان الصناعية، ومدينة الحسن الرياضية في اربد، ومستشفى البقعة، وهناك مشاريع اخرى مثل مشروع الوحدات السكنية للأسر الفقيرة في المفرق، ومشروع شبكة مياه الرصيفة، نظام المراقبة الالكترونية المركزية للأمن العام ومشروع اعادة توسيع وتأهيل طريق السلط-عارضة، ومشروع الدفاع المدني، وتقوم الصين ايضاً بتقديم مساعدات انسانية للمملكة ولتمكين بعض هيئات ا?عمل الخيري من القيام باداء واجباتها، كما تقدم الصين ايضاً دعماً كبيراً في مجال تنمية الموارد البشرية حيث حصل مئات المواطنين الاردنيين على دورات تدريبية ومنح دراسية في مختلف المجالات، ومن المتوقع ان تقوم شركة هواوي وبالتعاون مع ثلاث جامعات محلية ببناء 3 اكاديميات لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، من شأنها توفير فرص التدريب لـثلاثة الاف طالب اردني، وهنا تجدر الاشارة الى ان المساعدات الصينية تتصف باستمراريتها وعدم احتوائها على شروط ومحددات سياسية.

    من الواضح ان العلاقات الاردنية الصينية وصلت لمستويات جيدة سواء في اطارها العام او في اطار مبادرة الحزام والطريق، الا انه من المؤكد اننا حتى الان لم نحقق النتائج التي ننتظر تحقيقها، ولم نحقق الاستفادة المطلوبة والممكنة من هذه العلاقات المميزة، خاصة وان الاردن وبالرغم من انه يمر بظروف استثنائية ويواجه العديد من التحديات الاقتصادية الا ان امكانياته الواسعه وافاق التطور المتوفرة امامه تتيح له تحقيق نقلة نوعية في مجالات متعددة من خلال المشاركة الفاعلة والنشطة في مبادرة الحزام والطريق، فالاردن الذي يتميز بموقعه ?لاستراتيجي واستقراره اللافت في منطقة تعج بالصراعات يمكن ان يشكل بوابة ومنطلقاً لتنمية الدول المجاورة واعادة اعمارها، كما ان الاردن يستطيع الاستفادة من المبادرة لتحديث البنية التحتية في المملكة والسير قدماً بتطويرها من خلال مشاريع نوعية ذات أثر مستقبلي واعد مثل مشروع سكة الحديد التي يمكن ان تربط بين مختلف دول المنطقة، كما ان توفر الموارد البشرية ذات الكفاءة العالية يمكن ان تتيح للأردن التحول الى مركز للصناعات التكنولوجية المتطورة وموطناً لصناعات متقدمة تشكل قاعدة لاقتصاد انتاجي مزدهر، ولا شك بان التعاون الم?ترك في اطار مبادرة الحزام والطريق لا يمكن ان نحصره بجانب دون اخر فالمجالات كلها متاحة ولكنها بحاجة لمن يملك الجرأة والرؤية والقدرة على الانجاز والمبادرة، وهنا لا بد من الاشارة الى ان التعاون بين القطاعين العام والخاص يعد مقوماً اساسياً لتحقيق النجاح، فعلى سبيل المثال يبلغ العدد السنوي الاجمالي للسياح الصينيين حوالي 156 مليون سائح قدم الى المملكة منهم عام 2018 حوالي 50 الفاً فقط، في حين كان عدد الاردنيين الذين زاروا الصين يزيد عن 28 ألفاً فهل يعجز القطاع الخاص الاردني عن جذب جزء متواضع من هذا الكم الهائل من?السياحة وتطوير المنتجات السياحية الملائمة، وهل تقوم الجهات الرسمية بواجبها في هذا المجال من حيث الترويج وتوفير البنية التحتية والخدمات اللوجستية المناسبة، وعندما يشارك المسؤولون، سواءً من القطاع العام او الخاص، في الاجتماعات والمنتديات المتعلقة بهذه المبادرة هل يكتفون بشرف المشاركة والاشادة بالعلاقات المتطورة أم يقدمون اضافات نوعية وبرامج عملية لخدمة الاقتصاد الوطني، قد يطول الحديث بهذا الخصوص ولكن في النهاية لا بد لنا من الادراك بان الفرص المتوفرة كبيرة ومتنوعة ولكنها تأتي لمن هو مستعد وقادر على استثمارها?ولديه من الادوات ما يمكنه من انجاحها وتطويرها، ولعل من أهم واجباتنا ان لا ننتظر من يأتي الينا راغباً، مع استعدادنا للترحيب به، وانما ايضاً ان ننطلق الى محيطنا لنقدم ما لدينا ولنوضح قدراتنا وامكانياتنا الكبيرة التي ان أحسنا الاستفادة منها ستنعكس اثارها الايجابية ليس علينا فقط وأنما على شركائنا أيضاً، والاساس في كل ذلك هو الفهم الواعي لمبادرة الحزام والطريق وامكانيات الانخراط الجاد في مسارها وسبل الاستفادة منها.

  • الصين تُنير ليل العَالم بعلوم “الحِزام والطّريق”..

    موقع مبادرة الحزام والطريق بعيون عربية ـ
    آلاء عبدالحليم*:

    عشية التحضيرات الاحتفالية لأنعقاد الدورة الخامسة للمنتدى الإعلامي لمبادرة الحزام والطريق، في جزيرة هاينان الخلابة بالصين، أعلنت الصين عن مشروعها الجديد العجائبي لفعاليات النشاط الوطني للابتكار الجماهيري وريادة الأعمال، الذي أقيم في تشنغدو مؤخراً.

    .. تطلق الصين آخر صيحة، وهي إنارة العالم أجمع بمبتكرات الحزام والطريق! كيف ذلك؟

    يُعتبر الرئيس الصيني (شي جين بينغ) نور الصين الساطع، فقد أخذ بيد بلاده الى فضاءات أكثر إتّساعاً عما مضى، وقفز بها قفزات هائلة الى الأمام، الى القمر أيضاً، وسيّر مراكبه الى الفضاء الخارجي ومخرت سفنه عباب المحيطات والبحار، وانتشل بخططه العلمية عشرات ملايين الصينيين من الفقر والبؤس، وأنار لهم الطريق الثاني بعد الألف ميل الاولى التي مشاها الزعيم ماوتسي تونغ، ونجح بها.

    تقول الصين أنها تعتزم تنفيذ خطة وصفت بـ”الطموحة” من أجل استبدال الإنارة الليلية في الشوارع، بضوء القمر الحقيقي، مُضافاً إليه وهج ضخم آخر أقوى لكنه يُولد بقوى صناعية وتقنية غير مسبوقة، وهو يَصب في صالح الفقراء وأصحاب الجيوب الفارغة بالطبع!

    ضوء الصين سيكون على غرار القمر الحقيقي، سيعكس هذا القمر ضوء الشمس على المناطق المظلمة ليلاً، على أمل أن يحّل بذلك محلّ أعمدة الإنارة، وتوفير ما كلفته 170 مليون دولار سنوياً في المدينة الصينية. ويُتوقّع أن تبلغ المساحة التي سيُنيرها بدايةً 50 كيلومتراً مربعاً.

    في هاينان سيجتمع قريباً جداً عدد كبير لا نهاية لعدده، لبحث مبادرة الحزام والطريق التي سبق وتقدم بها للعالم الرئيس الصيني شي جين بينغ، حيث تخطط الصين “لإطلاق قمر صناعي جديد متميز إلى الفضاء عام 2020″، لمضاعفة إنارة القمر الحقيقي ليلاً، حيث من المقرر أن يضيئ حوالي 80 كيلومتراً من الأرض “أسفله”، وسيكون قادراً على استبدال إضاءة الشوارع (!!!)، بتكنولوجيا جاهزة كما يؤكد رئيس شركة معهد بحوث تشنغدو لعلوم الفضاء ونظام تكنولوجيا الإلكترونيات الدقيقة المحدودة، وو تشون فنغ. وفي البداية، من المقرر أن يُضيئ القمر الصناعي مدينة تشنغدو التي هي واحدة من أكبر ثلاث مدن من حيث عدد السكان في غرب الصين التي ينتشر فيها الاسلام واللغة العربية على نحو ظاهر وملحوظ، ويعيش فيها ما يقرب من 14.5 مليون نسمة من أقوام عديدة.

    يُبشّر الرئيس “شي” شعبه وشعوب العالم بإنارة دروبهم بأنوار ساطعة، فقد سبق له أن طرح هذه البشرى أمام مُؤتَمِريِ المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي، مبشّراً ببزوغ فجر “عصر جديد” من الرخاء والقوة الصينية، التي ستتحرك في بكين التي ستكون الأقرب إلى مركز الصدارة المُنير على كل الأرض من العاصمة الصينية ألى قارتي أمريكا الجنوبية والشمالية، وإلى قارات العالم القديم. وما كان لافتاً أن الزعيم “شي” في خطاب رئاسي له وصف نظام القيادة الجديد بأنه خيار مُجدد للدول والشعوب الأخرى، التي ترغب في تسريع تنميتها والحفاظ في الوقت نفسه على استقلاليتها، واليوم نرى كيف يتم التجديد في القوى الكهربائية والتقنيات والذكاء الاصطناعي والعقول البشرية أيضاً، بحيث تضيء الصين العالم لتضيء بهذا الضوء عقول الجميع، ليخطو الجميع نحو مستقبل جديد يتم فيه تخليق غير محدود للأعمال والابتكارات، لربما المنبثقة من الصينيين الذين سوف يعيشون على سطح القمر، ويقيمون هناك مراكزاً لقياداتهم، وحقولاً زراعية كما تتحدث الصين عن ذلك منذ فترة غير قصيرة، بينما تئن شعوب العالم الكثيرة تحت ضربات الحروب والمجاعات والاختلافات المذهبية وليالي مظلمة لا ضوء فيها ولا أنتاج سلعي ولا زراعي!

    تقول الصين أنه يمكن أن يكون لهذا الاختراع المهم حظوة تاريخية، للمساعدة في حالات وقوع الكوارث حين لا يكون ممكناً استخدام التيار الكهربائي. وتحاول الصين منذ سنوات اللحاق بركب الدول السبّاقة في مجال الفضاء ولا سيّما الولايات المتحدة وروسيا، وهي تنفق مبالغ طائلة على برنامجها الفضائي الذي يُشرف عليه الجيش، ويقدّم على أنه بالفعل أحد مظاهر التقدّم المذهل المُحقّق تحت الاشتراكية بألوان صينية بحت.

    الصين ليست أول بلد يحاول أن يعكس أشعة الشمس إلى الأرض، ففي التسعينيات استخدم علماء روس مرايا عملاقة لهذه الغاية، في مشروع أطلق عليه اسم “زنايما”. وعلى الرغم من أن ذلك قد يبدو غير قابل للتصديق كما تعتقد الصحافة الغربية، إلا أن “وو” يقول إن الخبراء يعملون على هذه التكنولوجيا منذ سنوات، وقد “نضجت” الآن لتصبح قابلة للتنفيذ.

    يُعلن عن هذا الاختراع الصيني تزامناً مع تلك البيانات والمؤشرات الاقتصادية المنشورة من قبل الحكومة الصينية عن القوة العظمى التي يتمتّع بها الاقتصاد الصيني، فبحسب تلك البيانات الرسمية حقّقت الصين ناتجاً محلياً إجمالياً بلغ قدره عام 2016 نحو 11.2 تريليون دولار أمريكي، ليكون الأعلى عالمياً، كما أن نصيب الفرد من الناتج المحلي بلغ نحو 15.5 ألف دولار سنوياً. كما صَعدت قيمة صادرات الصين من 2.04 تريليون دولار في العام 2011 إلى قرابة الـ2.27 تريليون في العام 2016، لتكون أكبر مصدّر في العالم. وتصدّر الصين 522 منتجاً، ما يعني أن حصتها من الصادرات العالمية هي الكبرى. أما على صعيد الواردات فقد استوردت الصين عام 2016 بما قيمته 1.23 تريليون دولار، ما جعلها ثاني أكبر مستورد بالعالم.

    هذا من ناحية، لكن من الناحية الاردنية، تساهم الصين في إنارة الاردن، وبخاصة مدينة العقبة السياحية، بشكل يتم فيه توفير الطاقة من خلال العمل على تحويل لمبات وحدات الإنارة في العقبة إلى نوعLED  الموفرة للطاقة، وذلك من خلال إتفاقية تم إبرامها مع شركة صينية. لكن المتوقع لنا هنا، أن يتم في المستقبل إبرام إتفاقية أخرى، لتوفير الطاقة اردنياً من خلال “نور القمر الصيني الساطع”، الذي يمكن تحويله الى الاردن، ليُنير دروبنا، ونبتهج به، ونزيد بقوته عدد السياح الصينيين الوافدين الى الاردن، فأهلاً وسهلاً بهم في ربوعنا، ونتطلع إلى أن يَسطُع نور مبادرة الحزام والطريق دروب الاردن وبيوتاته، كما أنارها طريق الحرير الصيني القديم قبل ألفي سنة، وما تزال آثاره شاهدة عليه إلى اليوم.

    ـ آلاء_عبد_الحليم: #كاتبة وناشطة إجتماعية، وعضو في الهيئة الاردنية للاتحاد الدولي للصحافيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء #الصين، وأكاديمية في الهندسة الغذائية.

  • (الحزام والطريق) بين الصين والجزائر: علاقة استراتيجية لنمو إقتصادي واعد

    (الحزام والطريق) بين الصين والجزائر: علاقة استراتيجية لنمو إقتصادي واعد

     

     

    موقع مبادرة الحزام والطريق بعيون عربية ـ
    د. بن خالد عبد الكريم:

     

    منذ أن أطلق رئيس جمهورية الصين الشعبية شي جين بينغ خلال زيارته إلى كازخستان عام 2013 مبادرته “البناء المشترك للحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين”، المعروفة اختصارًا بإسم “حزام واحد وطريق واحد”، باتت هذه المبادرة تشكِّل المحرك الأساس للسياسة الصينية داخليّاً وللدبلوماسية الصينية خارجيّاً. وأدرجت رسميًّا عام 2014 ضمن خطة أعمال الحكومة.

    ـ كرونولوجيا مبادرة الحزام والطريق بين الصين والجزائر:

    تعد الصين الدولة الوحيدة في العالم التي تقدّم إنتاجاً أو سِلعاً أو استثمارات بأعلى المقاييس العالمية، وبأقل تكلفة من الجميع، لسبب أساسي هو أن تكلفة الإنتاج أقل في الصين، سواء من اليد العاملة أو من آلات الإنتاج، وقد انضمت الجزائر إلى مبادرة “طرق الحرير الجديدة” الصينية خلال المنتدى السابع للتعاون الصيني الأفريقي في بكين يومي 3 و4 سبتمبر للعام الجاري، على هامش هذه القمة الدبلوماسية والتجارية التي شارك فيها قادة 53 بلداً أفريقياً، وقّعت الجزائر والصين مذكرة تفاهم تنص على انضمام الجزائر إلى المبادرة الصينية.

    وشكلت البضائع الصينية 18% من واردات الجزائر في 2017 لتجعل الصين في المرتبة الأولى قبل فرنسا (9%) و3 دول أوروبية أخرى، في حين أن الصين لم تستورد سوى 2% من صادرات الجزائر، وحلّت في المرتبة الثالثة عشرة بين الدول التي تستورد منها، والصين الشريك التجاري الأول لأفريقيا، حيث تستثمر عدة مليارات من الدولارات في مشاريع البُنى التحتية من طرق وسكك حديد ومرافئ أو مصانع. في حين تلقى هذه المشاريع ترحيباً من الدول الأفريقية ينتقدها الغرب “خشية!” عواقب الديون الصينية التي ستُثقل كاهل تلك الدول كما تدّعي، حيث  مساهمة المؤسسات الصينية في إنجاز البرامج التنموية الجزائرية الواسعة تزيد عن 10 ملايير دولار أمريكي سنوياً.

    ستمكّن هذه المبادرة السخية الجزائر من نسج شبكة طرقات تربطها بالقارات، وهي التي تعوّل على نهضة إقتصادية شاملة، فيما سيمكن بكين من تسهيل قيام استثماراتها في القارة الأفريقية، وستكون الجزائر بوابة لها من أجل دخول القارة السمراء، التي تحتل فيها مرتبة الشريك الأول، وقد بلغت قيمة المبادلات التجارية سنة 2017 أكثر من 170 مليار دولار بعد أن كانت لا تتجاوز 10 مليار دولار سنة 2000، حيث تعتبر العلاقات الجزائرية-الصينية “ممتازة”، عبر مختلف المراحل التاريخية، وعَرفت ازدهاراَ خلال العشريتين الأخيرتين، حيث تسجّل الاستثمارات رقما مرتفعاً يقدر بـ6.2 مليار دولار في النفط والغاز والمناجم، في حين تبحث حكومة بكين عن مشاريع جديدة في قطاعات السياحة، الإلكترونيات وتركيب السيارات، هذا المجال الذي يعرف تطوّرا في الجزائر منذ العام 2015، وتبحث بكين عن مكانة لها في السوق الجزائرية التي يغزوها اليوم الفرنسيون والألمان والكوريون، حيث تَعتبر الصين الجزائر سوقاً مهمة في مجال تركيب السيارات وتسعى إلى جعلها نقطة انطلاق للتصدير لبلدان أخرى في المنطقة، وهو الذي سيسهله انضمامها إلى مبادرة الحرير الجديدة.

    وتُصنّف الصين كأول مستثمر أجنبي في الجزائر متجاوزة العديد من الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا، حيث بلغ مجموع الاستثمارات الصينية 7,4 مليار دولار، وتشكّل الشركة الوطنية الصينية للأشغال والبناء “سي أس سي أو سي” أهم قوة ضاربة لبكين في الجزائر، حيث تقوم بانجاز العديد من المشاريع على رأسها ميناء الجزائر الجديد الذي تقوم الصين بتمويله وفقاً لاتفاق إقراض طويل الأجل بحوالي 3 مليار دولار، إلى جانب مشاريع انجاز البُنى التحتية، منها توسِعة مطار الجزائر الدولي. وتبقى مصر أول دولة مستقطبة للاستثمارات الصينية، بحوالي 20 مليار دولار.

    وتصنف الصين أيضا كأهم متعامل تجاري للجزائر خلال السنوات الثلاث الماضية وكانت الصين أول مموّل للجزائر عام 2016 بقيمة 8.396 مليار دولار، ومبادلات فاقت 9 ملايير دولار، مع ميزان تجاري لصالح الصين، وسجلت اختراقاً مُعتبراً في نفس الفترة، على خلفية نشاط الشركات الصينية وارتفاع العَمالة الصينية المقدّرة بأكثر من 50 ألف.

    ودفع تنامي النشاط الصيني في الجزائر إلى إقامة المقر الرئيسي لأكبر الشركات الصينية “سي أس سي أو سي”CSCEC في المنطقة عبر مشروع “القصر” KSAR بباب الزوار بالعاصمة، والذي يُرتقب أن يحتضن مقرات شركات صينية، يحوّل إلى موقع نشاط لهذه الشركات في المنطقة، بالنظر إلى محَافظ المَشاريع التي تَحوزها في الجزائر في مجال البُنى التحتية والمنشآت القاعدية.

    وساهمت الاستثمارات والنشاطات الصينية في الجزائر في إنشاء 50 ألف منصب عمل منذ بداية 2000، وتدفقات مالية بأكثر من 1.5 مليار دولار في السنوات الست الأولى ، وتسجل هذه التدفقات ارتفاعاً متواصلاً، مع اهتمام الشركات الصينية بجعل الجزائر إحدى نقاط ارتكاز لتوسعها في إفريقيا، الذي يعرف نموا برقمين، وأبدت الصين التي تتمتع باحتياطي صرف يقدر بنحو 3081 مليار دولار مع نهاية الشهر الماضي، استعدادها للاستثمار في القارة الافريقية، والارتكاز على عدد من الدول المحورية من بينها الجزائر، لضمان تنفيذ برامج توسع وتنمية، ووفقا لتقديرات إحصائية، فإن الشركات الصينية تساهم في أكثر من 100 مشروع للبُنى التحتية المنشآت القاعدية‘ ويرتقب أن تنجز أكبر ميناء بالجزائر بالحمدانية بقرض امتياز في غضون السنوات الثلاث المقبلة.

    ـ #الدكتور_عبدالكريم_بن_خالد: عضو في الفرع الجزائري للاتحاد الدولي للصحافيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء (وحُلفاء #الصين)، وأُستاذ محاضر تخصص في عِلم النفس الاجتماعي للمنظمات في جامعة أدرار – #الجزائر، وإعلامي وكاتب مُمَارِس معروف بخاصة فى جريدة “#الشعب” الجزائرية الرائدة، ولديه حصص إذاعية وتليفزيونية.

  • الحزام والطريق ودور الجزائر في شمال إفريقيا

    الحزام والطريق ودور الجزائر في شمال إفريقيا

     

     

    موقع مبادرة الحزام والطريق بعيون عربية ـ
    عبدالقادر خليل*:

    الجزائر دولة صديقة للصين، والتاريخ يشهد على هذه الحقيقة بكل نقلاتها المحورية في السياسة والدبلوماسية والعسكرية والاقتصاد في القارة السمراء، ومن خلال علاقات الصين العربية والتي تتسم بالثقة والتطور الإيجابي والمتبادل النفع.

    علاقات الجزائر بالصين “ممتازة” كما توصف شعبياً ودولياً، ولقد كان لها الأثر الكبير والفاعل لتجعل منهما شريكين عميقين ومخلصين لبعضهما البعض، وعازمين على تنمية وتعزيز تلك الأواصر إلى أبعد الحدود، وعلى أشمل نطاق، بخاصة بعد توقيعهما على “التعاون الاستراتيجي” الشامل.

    ولا يمكننا الحديث عن العلاقات بين البلدين، دون التنويه ولو بسرعة إلى جوانب مضيئة في تاريخهما المشترك، فقد أُقيمت العلاقات الدبلوماسية بين الصين والجزائر في يوم 20 من ديسمبر عام 1958. ومنذ استقلال بلادنا الجزائر في القرن الماضي وبالتحديد في عام 1962، وإلى يومنا هذا، تمكّن البلدان من توقيع على عدد من الاتفاقيات التي تغطي كامل المجالات الاقتصادية والثقافية، والتي نقطف ثمارها بلا توقف. وكان للجزائر دور هام ومسعى هادف قل نظير جوهره عالمياً لتدعيم مرامي عودة الصين إلى هيئة الأمم المتحدة عام 1971، كما تمسّكت الجزائر دائماً بدعم حقيقي للصين في مختلف المواقف والازمات والتقلبات العالمية وفي المحافل الدولية، لذا تتسم علاقات بلدينا بالصدق والمصارحة واستهداف المنافع العميقة لهما بحصاد وفير، وهو ما يؤكد للقاصي والداني أن علاقاتهما تتسم بأنها نموذجية وضمن روابط جنوب ـ جنوب أيضاً يُحتذى بها.

    وفي قرننا الحادي والعشرين أيضاً، تولي الجزائر علاقاتها الصينية أهمية بالغة، إيماناً منها بالدور العالمي الجديد للصين من أجل إحلال السلام الشامل، وتحقيق التوازن الاقتصادي الدولي بمعادلة صينية ذكية وهي “رابح رابح”، أي استفادة الجميع من الفوز المشترك. فبعد إطلاق الرفيق شي جين بينغ الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني ورئيس جمهورية الصين الشعبية لمبادرته التاريخية الحزام والطريق، منذ خمس سنوات، أي في عام 2013، وهي تعمل بلا توقف على إعادة رصف طريق الحرير القديم، في حلّةٍ جديدةٍ هادفةٍ، ومربحة للجميع، ولقد رحّبت الجزائر دولةً وقائداُ وشعباً ومؤسساتٍ مدنيةٍ وسياسيةٍ بهذه المبادرة أيّما ترحيب.

    والمعلوم أن مبادرة الحزام والطريق، هي عبارة عن حزام أرضي يربط الصين بآسيا وأوروبا، عبر حدود الحرير في آسيا الوسطى وروسيا، وطريق بحري يتيح لها الوصول إلى أفريقيا أيضاً، عبر بحر الصين والمحيط الهندي. ولن تقتصر التبادلات  والتعاون بين الصين والدول الواقعة على طول الحزام و الطريق، على الاقتصاد والتجارة فحسب، بل يتعداها إلى مجالات عديدة كالعلوم والثقافة وغيرها. ومن دون شك، تعتمد الحكومة الصينية على الجزائر للعب دور قيادي لنجاح هذه المبادرة، نظراً لموقع الجزائر الاستراتيجي، حيث تقع دولتنا في أقصى شمال إفريقيا، وهي مطلة على البحر الأبيض المتوسط، في جهاتها الثلاث، من الشمال والغرب والشرق، كما لديها شريط حدودي كبير مع دول الساحل الافريقي، مما يجعل الصين تمنح الجزائر ومن خلال الحزام و الطريق، دورا محورياً واستراتيجياً في المنطقة، ولتكون رابطاً مهماً مع إفريقيا وأوروبا. وفي هذا الاتجاه، تصب أهداف الاتفاقيات الجديدة المبرمة بين البلدين، وبخاصة الاقتصادية منها.

    وهنا لا بد من الإشارة إلى المشروع الضخم الذي ستنجزه الصين في الجزائر، وهو مشروع الميناء الكبير الذي سيقع غرب الجزائر العاصمة وبالتحديد في منطقة الحمدانية، بمدينة شرشال التابعة لمقاطعة تيبازة، والذي من شأنه توفير نحو 200 ألف منصب شغل فعلي.

    وسوف يكون لهذا الميناء دور فعّال في تفعيل شريان الصادرات والواردات وبخاصة الصينية والجزائرية، ويمكن للصين إعتباره نقطة رئيسية لأفريقيا واوروبا الغربية، للانطلاق الأسهل من الجزائر نحوها من خلال طريق سهل. والمعلوم أن الصين تُعتبر الشريك التجاري الأول لإفريقيا والجزائر، حيث أن أكبر نسبة وحصة للواردات الخارجية هي للجزائر وبالذات من الصين، وتأتي بعدها فرنسا وعدد من الدول الغربية الأخرى، ما يتيح أن تتبوأ الجزائر عرش العلاقات الأفريقية مع الصين.

    ـ #عبد_القادر_خليل: خريج أكاديمي من الاتحاد السوفييتي، وصديق قديم للصين، ورئيس فرع الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء (وحُلفاء) الصين بولاية #ورقلة عاصمة الجنوب الشرقي #الجزائري، ومؤسس ورئيس رابطة أصدقاء الصين بالجزائر؛ وصديق قديم لإذاعة الصين الدولية CRI ومجلة ” الصين اليوم” والقناة الفضائية الصينية الناطقة بالعربية وغيرها.

  • دليل الرفيق إلى مبادرة “الحزام والطريق”

    دليل الرفيق إلى مبادرة “الحزام والطريق”

     

     

    موقع مبادرة الحزام والطريق بعيون عربية ـ
    بقلم: طارق قديس *

     

    في اقتصاد يَستحوذ ناتجه المحلي على ما يُعادل 15% من اقتصاد العالم، ونسبةِ نموٍّ تَصل إلى الـ6.9%، منذ العام 2017، ويَعْمَلُ على مكافحة الفقر والتلوُّث البيئي واستحداث ملايين فرص العمل الجديدة للصينيين، ويَسعى بشَكْلٍ دؤوب للانفتاح على الآخر، لا يمكن إلا أن نَتَيَقَّن من وُجود تخطيطٍ عالي المستوى، ورؤية واضحة للمستقبل البعيد وراء هذا التَّقَدُّم المستمر وَسَطَ زِحام الاقتصادات الرأسمالية المتوحشِّة.

    هذا ما يُمْكِنُ قولُهُ عن الاقتصاد الصيني، فالرؤية الواضِحة للأمين العام الرفيق والرئيس شي جين بينغ، هي ما عَزَّزَ في السنوات الأخيرة من مَكانَةِ الاقتصاد في الصين ودوره على المستويين المحلي والعالمي، ومَنَحِهِ دَفْعَةً للأمام من خلال إطلاق مبادَرَةِ “الحزامِ والطريق”، ورَفَعَ من دَرَجَةِ التنافس على المرتَبَةِ الأولى مع الاقتصاد الأمريكي، غير متخوّف من تداعيات قراراتِ الرئيس الأمريكي المتلاحقة دونالد ترامب للحَدِّ من تَمَدَّدِ الوارداتِ من المنتجاتِ الصينية على مساحَة الولايات المتحدة الأمريكية.

     

    ففي كَلِمة الرفيق “شي” خلال افتتاح المؤتمر السنوي لمنتدى (بوآو) الآسيوي، في مقاطعة هاينان هذا العام، تم الإشارة بوضوح إلى أنَّ أبواب الانفتاح في الصينِ سَتُفْتَح أكثرَ فأكثر، وأنَّ مبادرةِ “الحزام والطريق” تُشَكِّلُ فُرصةً مهمة ومحورية للارتقاء المشترك على صعيد التنمية الاقتصادية للدول المشاركة في المبادرة. ولن يكون الربح من نصيب الصين وحدَها وإنما الكُلُّ سيكون رابحًا. مُؤكِّدًا على أن سياسة الإصلاح والانفتاح التي تنتهجها القيادة الصينية تفي بتطَلُّعاتِ الشعب الصيني على مستوى الابتكار والتنمية، وصولًا للحياة الأفضل، مع توافقها في ذات الوقت مع التوجّه العالمي بشأن السلام والتنمية والتعاون المشترك.

    فيما أكد الرفيق “شي” مرَّة أخرى على ضرورة التعاون مع الآخر، في رسالته التي وجَّهها إلى المؤتمر العالمي للذكاء الاصطناعي، الذي انعقد في مدينة شنغهاي في شهر سبتمبر/ أيلول من عام 2018، حين دعا إلى تقاسم الفُرَصِ التنموية للاقتصاد الرقمي مع الدول الأخرى.

    ولعل ما يُعَزِّزُ من دور الصين بالأخذ بدفَّةِ الريادة نحو مساعدة دول الجوار في تحقيق النمو الاقتصادي المشترك، هو ما يَتَمَتَّعُ به الاقتصادُ الصيني من قوَّةٍ إنتاجية عالية وسريعة، حيث وَصَل الناتج المحلي الصيني في عام  2017إلى 12 تريليون يُوان، وذلك في ظِلِّ الدَفْع المستمر لتحسين حياة المواطن الصيني، وتوفير فرص عمل بشكل متجدّد لكافة فئات المجتمع بصورةٍ تدعو إلى الدهشة والاعتزاز.

     

    فكلمة السر تكمن في وعي القيادة الصينية الحكيمة لما يدور من حولها من متغيرات، بحيث جعلت من الصين مِثالًا صارخاً على المثابرة وتحقيق النجاح، ما دام هناك تخطيطٌ واضح للمستقبل بما يحمل من تفاصيل وأحداث مُتغيّرة، وشعبٌ يُقبل على الحياة ويَسعى دائماً لأن يكون في المقدمة.

    • طارق قديس: شاعر وكاتب أردني معروف، وعضو قيادي متقدّم في الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء الصين – الأردن.