أولا، المعلومات الأساسية عن “الحزام” و”الطريق” وأهميتهما
إن التشارك في بناء “الحزام الاقتصادي لطريق الحرير” و”طريق الحرير البحري في القرن الـ21″ (المشار إليهما فيما بعد بـ”الحزام مع الطريق”) مبادرة طرحها الرئيس الصيني شي جينبينغ خلال زيارتيه لكازاخستان سبتمبر الماضي ولإندونيسيا أكتوبر الماضي، ويعتبر خطوة هامة تتخذها الصين من أجل تعميق الإصلاح والانفتاح وخاصة تعزيز الانفتاح نحو غرب الصين. إن “الحزام الاقتصادي لطريق الحرير” الذي يغطي مناطق الصين وغرب آسيا وأوروبا، و”طريق الحرير البحري في القرن الـ21″ الذي يمتد من الصين إلى منطقة الخليج مرورا بجنوب شرقي آسيا والمحيط الهندي والبحر العربي، يشكلان حزاما اقتصاديا معمم الفائدة على أساس المنفعة المتبادلة والكسب للجميع ويتميز بطابع الانفتاح والاستيعاب.
إن التشارك في بناء “الحزام مع الطريق” يهدف إلى تجسيد وتكريس قيم طريق الحرير القديم الذي مكن الدول الواقعة في قارتي آسيا وأوروبا من تبادل السلع والتقنيات والأفراد والأفكار، مما أدى إلى دفع التنمية الاقتصادية والثقافية والتقدم الاجتماعي لهذه الدول، وتعزيز التحاور والتفاعل بين مختلف الحضارات. يجب على المجتمع الدولي اليوم الارتقاء بروح طريق الحرير المتمثلة في السلام والتعاون والانفتاح والتسامح والاستفادة المتبادلة والصمود أمام الصعوبات، وإضفاء مقومات عصرية عليها لإحيائها وتكريس قيمتها في العصر الحديث، بما يحقق ثروات جديدة ماديا ومعنويا للمجتمع البشري.
إن التشارك في بناء “الحزام مع الطريق” يتماشى مع المساعي لتعزيز التعاون الإقليمي الذي يمثل التيار السائد في العصر. سيتم الربط فيما بين آسيا الوسطى وجنوبي آسيا وجنوب شرقي آسيا وغربي آسيا وغيرها من المناطق دون الإقليمية من خلال “الحزام مع الطريق”، الأمر الذي يعزز التواصل فيما بين هذه المناطق ويمكنها من تكملة بعضها البعض في الاحتياجات واستفادة كل منها من مزايا غيرها، وبالتالي يقيم ويستكمل سلاسل لوجستية وصناعية وقيمية تغطي قارتي آسيا وأوروبا، ويرتقي بمستوى التعاون لعموم آسيا والتعاون الإقليمي بين آسيا وأوروبا، كما يساعد على تعزيز جهود الدول الآسيوية والأوروبية في إطلاق إمكانيات الطلب المحلي في كل منها وفي المنطقة، وإيجاد مجالات جديدة للنمو الاقتصادي وتعزيز قوة الدفع الذاتية للنمو الاقتصادي وقدرته على مجابهة المخاطر، بما يدفع الاقتصاد إلى إعادة الهيكلة وتطوير نوعيته.
جاء بناء “الحزام مع الطريق” ملبيا لمتطلبات التنمية في الصين ولرغبة الصين في تعزيز التعاون مع الخارج. يغطي “الحزام مع الطريق” المناطق الوسطى والغربية وبعض المقاطعات والمدن الساحلية في الصين، فإن بناء “الحزام مع الطريق” يتمحور حول استراتيجيات الصين للتنمية الإقليمية والنوع الجديد من التمدين العصري والانفتاح على الخارج، وهو يساهم في توسيع نطاق الانتفاح للمناطق غير الساحلية والمناطق الحدودية والإسراع بوتيرته، بحيث يساعد على تشكيل معادلة جديدة للانفتاح الكامل الأبعاد في الصين. كما يعتبر بناء “الحزام مع الطريق” نقطة بارزة للدبلوماسية الصينية في العصر الجديد تساهم في توثيق روابط المصلحة وتحقيق التنمية المشتركة للصين ودول آسيا الأخرى ودول أوروبا.
ثانيا، المضمون الرئيسي لـ “الحزام مع الطريق”
إن مبادرة بناء “الحزام مع الطريق” تتخذ التعاون الاقتصادي كالأساس والمحور والتواصل الإنساني والثقافي كالدعامة الرئيسية، وتلتزم هذه المبادرة بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة ولا تسعى وراء انتزاع الدور القيادي في الشؤون الإقليمية أو تحديد نطاق النفوذ في المنطقة. إن “الحزام مع الطريق” ليس كيانا أو آلية، وهو سيعتمد بشكل أساسي على الآليات الثنائية والمتعددة الأطراف القائمة بين الصين والدول ذات الصلة وتستعين بأطر التعاون الإقليمية القائمة والفاعلة. كما أن النطاق الجغرافي والأممي لـ”الحزام مع الطريق” سيكون مفتوحا، ستلعب دورا مهما فيه الدول الواقعة على طريقي الحرير البري والبحري القديمين، كما نرحب بالدول الأخرى للمشاركة فيه.
إن المضمون الرئيسي لبناء “الحزام مع الطريق” يتمثل في خمس نقاط تبرز التعاون العملي القائم على المشاريع المفصلة، وسيعود بفوائد ملموسة على شعوب الدول ذات الصلة: (1) “تناسق السياسات”. يمكن لمختلف الدول إجراء التواصل الوافي حول الاستراتيجيات والسياسات الخاصة بالتنمية الاقتصادية، بحيث يتحقق الالتحام العضوي بين هذه الاستراتيجيات على أساس مبدأ “إيجاد قواسم مشتركة من بين الاختلافات”، ورسم الخطط والإجراءات للتعاون الإقليمي عبر التشاور، بما يعطي “الضوء الأخضر” من حيث السياسات والقوانين أمام الاندماج الاقتصادي الإقليمي. (2) “ترابط الطرقات”. إن الصين والدول ذات الصلة بحاجة إلى التباحث الإيجابي في تحسين البنية الأساسية العابرة للحدود في مجال المرور، واتخاذ خطوات تدريجية لتكوين شبكة للنقل والمواصلات تربط مختلف المناطق دون الإقليمية في آسيا كما تربط آسيا بأوروبا وإفريقيا، بما يعالج مسائل عدم الترابط أو الترابط دون التمرير أو التمرير دون الانسياب. (3) “تواصل الأعمال”. التباحث في سبل تسهيل التجارة والاستثمار ووضع ترتيبات ملائمة، تساعد على إزالة الحواجز التجارية والاستثمارية ورفع سرعة الدورة الاقتصادية الإقليمية وجودتها، بما يطلق بشكل كامل الإمكانيات الكامنة للدول الواقعة في “الحزام” و”الطريق” في مجالات التجارة والاستثمار، وتوسيع “كعكة التعاون”. (4) “تداول العملات”. العمل على تحقيق المقاصة بالعملات المحلية وتبادل العملات، وتعزيز التعاون النقدي الثنائي والمتعدد الأطراف، وإنشاء مؤسسات مالية للتنمية الإقليمية، وخفض تكاليف المعاملات، وبالتالي تعزيز القدرة على مواجهة المخاطر المالية من خلال الترتيبات الإقليمية، وتعزيز القدرة التنافسية لاقتصاد المنطقة ككل على الساحة الدولية. (5) “تفاهم العقليات”. إن الصين والدول ذات الصلة بحاجة إلى توطيد القاعدة الشعبية للعلاقات الرسمية، وتعزيز التواصل والتحاور بين مختلف الحضارات، وزيادة التبادل الودي بين شعوب الدول وخاصة على مستوى الفئات المجتمعية الأساسية، بما يعزز الفهم المتبادل والصداقة التقليدية فيما بينها.
إن بناء “الحزام مع الطريق” مشروع متكامل طويل الأمد، يتطلب المضي قدمًا به بخطوات تدريجية منتظمة. ويجب أن يبدأ بما هو سهل الإنجاز قبل ما هو صعب الإنجاز، وينطلق بتجربة موقعية ثم تعمم على النطاق الواسع ويتطور أولا رأسيا ثم أفقيا بحيث يتشكل تدريجيا إطار إقليمي للتعاون الواسع. ويمكن لقطاع الأولوية ومشاريع الحصاد المبكر أن تكون مجال ترابط البنية التحتية أو تسهيل التجارة والاستثمار أو التعاون القطاعي، وكذلك التواصل الإنساني والثقافي وتبادل الأفراد. أما التعاون القطاعي فيمكن أن يشمل مجالات الزراعة والمصايد والعلوم والتكنولوجيا والخدمات، وكذلك قطاع التصنيع التقليدي والراقي. وبالنسبة للمشاريع التي تتفق عليها متطلبات المصلحة المشتركة فيما بين الأطراف المختلفة في مجالات الطرق والسكك الحديدية والطيران والنقل البحري وتطوير الطاقة والموارد والأنابيب والكهرباء والاتصالات وأيضا بالنسبة للسياسات والإجراءات المتعلقة بالمفاوضات بشأن منطقة التجارة الحرة وتسهيل تبادل الأفراد، فيجب الإسراع بوتيرة العمل والتشاور بشأنها ونعمل على تنفيذ أي منها حال ما يتم الاتفاق عليه.
وخلال هذا السياق، تحرص الصين على التعامل الصحيح مع العلاقة فيما بين المسؤولية المعنوية والمصلحة، وتقديم المسؤولية الأخلاقية على المصلحة مع مراعاة المصلحة المشروعة، كما تحرص على تقديم ما في وسعها من المساعدة للدول العربية والبلدان النامية الأخرى وجيرانها الصديقة، وتساعد البلدان النامية على الإسراع بعجلة التنمية بكل صدق وإخلاص. وستزيد الصين من استثماراتها باستمرار في المناطق المحيطة بها، وتعمل على دفع التواصل والترابط مع هذه المناطق، وتبحث في كيفية إنشاء الإطار الإقليمي للاستثمار والتمويل لمشاريع البنية التحتية، بما يجعل المناطق البرية والبحرية المحيطة بها مناطق للسلام والصداقة والوئام.
/مصدر:الموقع الرسمي لمنتدى التعاون الصيني العربي/