موقع مبادرة الحزام والطريق بعيون عربية ـ
فخري سليمان* ـ القدس:
تستلهم القيادة الصينية سياستها، من حكمة امتدت بجذورها عميقاً في تاريخ الشعب الصيني العظيم. ولم تكن ريادية سياسة الحزب الشيوعي الصيني غريبة، كما أنها لم تكن مفاجئة برياديتها الواعية لأنها امتداد لتارخ عريق من الخبرة والتجربة الغنية لشعب مناضل.
ولأنها كذلك نراها قد تمكنت من استشراف إمكانيات بلورة مصالح مشتركة مترابطة لشعوب عدة شقت مسار طريق الحرير التاريخي فكانت مثالاً يحتذى لمن يريد تطوير واقعه والارتقاء بمستقبله. وزادت القيادة الصينية الحكيمة على ذلك بأن قدمت نموذجا فريداً وخلاقاً في استلهامها للتاريخ، بأن سارعت الى بلورة جملة من المنافع المتبادلة للشعوب التي سار في أراضيها طريق الحرير التاريخي، مما شجع تلك الشعوب على تلقف هذه المبادرة وإبداء الدعم والتأييد الواسع لها.
انطلقت المبادرة الصينية المسماة “مبادرة الحزام والطريق” تمخر عباب الواقع نحو زمن قادم حيث تجد فيه شعوب المنطقة ما يستجيب لمصالحها و منفعتها. ولعل ما يشجعنا على متابعة الاهتمام بهذه المبادرة الخلاقة هو ماض من تاريخ وارث العالاقات العربية الصينية، الذي تأسس على ضوء فهم عميق واساس من الاحترام المتبادل للمصالح والمنافع المشتركة.
وإذا اراد المتابع ان يتحرى الدقة والملموسية في تتبعه لتاريخ العلاقات العربية الصينية فلن يحتاج الى جهد كبير. لأن التاريخ ليس ببعيد عن التناول. ويكفي استحضار الموقف الصيني الشجاع والمبدإي من موضوع القضية الفلسطينية منذ بدايتها وحتى اللحظة. فقد امتاز الموقف الصيني عن باقي المواقف الاخرى لدول مختلفة بمبدإية شهد لها التاريخ.
إن في الانحياز الصيني لصالح الحل العادل للقضية الفلسطينية المستند على قرارات الشرعية الدولية ما يشير الى جرأة ومبدإية تؤكدان على عظم وتنامي دور النهج العقلاني للسياسة الصينية على الصعيد العالمي. لذلك، ليس لدينا اية شكوك بصدق وإخلاص التوجه الحكيم لمن اطلق هذه المبادرة التي سيكون لها دور كبير في صالح شعوب المنطقة.
القرار الذي اخذته القيادة الصينية “مبادرة الحزام والطريق” قد لا يعدو عن ان يكون مجرد نقرة صغيرة من عصا مايسترو موهوب على طبل ضخم. هذه الحركة الصغيرة ربما سيكون لها صدى واسعاً على صعيد العالم. وهي إن دلت على شيء فهي تدل على عمق الروابط واصالة العرى التي تربط قيادة الصين المعاصرة بتاريخها وحكمتها.
وإذا كانت طريق الحرير بالبعد التاريخي قد رسمت آفاق العلاقات التي سادت لفترة من الزمن في الماضي، فإن “مبادرة الحزام والطريق” ستترك بصماتها ليس فقط على مدى اجيال معاصرة فحسب، أو أماكن محددة فقط، بل ستتجاوزها إلى ما هو ابعد من ذلك بكثير. وستعزز هذه المبادرة مكانة الصين على الصعيد الدولي من جهة وتقلص تفرّد الاحتكار الغربي الأميركي من ناحية ثانية. من هنا يصبح من الضروري ليس فقط إعلان التأييد لهذه المبادرة، بل المطلوب هو التمسك بها لأننا نتعرض للخنق بسبب سياسات الغرب وتحديدا من السياسة الأميركية.
مبادرة الحزام والطريق اثارت عاصفة واسعة من التأييد والترحيب ليس فقط، على المستوى الاقليمي، وإنما تجاوزته الى الامدى الدولي. و يعود ذلك إلى أنها ستثمر مزيدا من المنافع للعديد من الدول. وإذا كانت الشعوب قد اعتادت على نمطية استثمارية معينة تستند على تقديم مواردها للمستثمر المستعمرمقابل بعض الفتات الذي يمكن ان تحصل عليه، فإنها وجدت في “مبادرة الحزام والطريق” شكلاً جديداً من المنافع لا يضطرها إلى خسارة مواردها الطبيعية كالسابق بل واكثر من ذلك وهو تنمية تلك الموارد لفائدة الاجيال القدمة.
وها هي ملامح المستقبل المشرق قد بدأت بالظهور إلى العلن كي تبرهن للمتشككين بأهمية وضرورة احتضان هذه المبادرة العظيمة. ففي باكستان مثلا جرى تدشين وبناء محطة كهربائية ضخمة تستطيع تقديم احتياجات واسعة من السكان هناك؟ وفي غينيا بإفرقيا كذلك تم بناء مثيل لها. كما وسيجري بناء السدود التي يمكنها تأمين الطاقة الكهربائية لمدن كانت تفتقر للإنارة في مناطق مختلفة ومتعددة. كل هذا يجري كمقدمات ضرورية كي تشق مبادرة الحزام والطريق دربها.
* صديق للاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العَرب أصدقاء وحُلفاء الصين ـ القدس