موقع مبادرة الحزام والطريق بعيون عربية ـ
محمود ريا*:
من الواضح أن الوضع القائم في العالم العربي له انعكاسات فعلية على التعاون القائم ـ والذي سيقوم ـ بين الصين والدول العربية. ولا شك أن أوضاعاً أفضل، وظروفاً أكثر استقراراً، سيكون لها انعكاس أفضل بكثير على هذه العلاقات، في حين أن الظروف القائمة تضع الكثير من العراقيل في طريق تطوير العلاقات العربية الصينية، سواء على صعيد المواقف السياسية المتعارضة لدى الدول العربية من الكثير من الأحداث الدائرة في هذه الدول، أو على صعيد الانعكاسات السلبية للأزمات الداخلية على الأوضاع الاقتصادية لهذه الدول، بما يؤدي إلى تراجع أدائها الاقتصادي، ومن ثم إلى الحد من فرص تنمية وتنويع العلاقات مع الصين.
يبقى في المقابل أن الاختلاف القائم بين الدول العربية قد يكون مفيداً بشكل أو بآخر للعلاقات مع الصين، إذ أن هذا التفكك يمنع الدول العربية من الانسياق إلى موقف موحد ضد الصين عند حصول أي اختلاف سياسي بين العرب والصين تجاه قضية من القضايا، وبهذا تتعامل الصين مع الدول العربية كدول متنوعة المواقف، وليس ككتلة موحدة تفرض على الصين اتجاهاً معيناً تجاه القضايا المطروحة.
ولعلّنا لاحظنا هذ الواقع فيما يتعلق بالموقف الصيني من الأزمة السورية، فبالرغم من استخدام الصين عدة فيتويات في مجلس الأمن في وجه مشاريع دعمتها دول عربية معينة، فإن هذا لم يؤثر على علاقات الصين مع هذه الدول على المستوى الاقتصادي، بل إن هذه العلاقات شهدت تطوراً كبيراً في مختلف المجالات. وهذا الأمر ناجم عن عجز الدول العربية عن تحويل قوتها الاقتصادية إلى قوة سياسية تفرض مواقف سياسية على دول كبرى ومستقلة وترفض الابتزاز مثل الصين.
تملك الولايات المتحدة الأميركية مصالح كبرى في منطقة “الشرق الأوسط”، وهي كانت القوة الأولى المؤثرة على المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية على مدى العقود الماضية.
هذه حقيقة معروفة ولا يمكن التهرّب منها، وبالتالي فإن أي تغيير في اتجاه اهتمام دول الشرق الأوسط المختلفة لن يكون محل رضا عند السياسيين الأميركيين الذين سيبذلون جهوداً كبيرة لعرقلة أي محاولة لخلق تكامل اقتصادي بين منطقتي “الشرق الأوسط” و”الشرق الأقصى”.
وهذا الواقع يفرض على دول مبادرة الحزام والطريق العمل على إقناع مختلف دول العالم، بما فيها الولايات المتحدة بأن مشروعاً عملاقاً من هذا النوع سيعود بفوائد عظمى على العالم ككل، ولن تقتصر فوائده على الدول المعنية بالمبادرة.
إلا أن هذه المهمة ليست مهمة سهلة، وإنما تتطلب إيماناً من دول المبادرة بأهمية المشروع الذي تعمل عليه، بما يجعلها قادرة على تحمّل كل الضغوط الهادفة لعرقلته وتعطيله، كما تتطلب وجود إرادة لديها في الوقوف في وجه هذه الضغوط والعمل على مواجهتها وتهميشها.
وإذا كان هذا الإيمان وهذه الإرادة موجودان لدى الصين للقيام بهذه المهمة، فيجب معرفة أحوال الدول الأخرى، ولا سيما الدول العربية التي ينبغي عليها أن تفاضل بين المنافع الكبرى التي تحصل عليها من تطبيق مبادرة الحزام والطريق، وبين الابتزاز الذي (قد) تتعرض له من الدول الكبرى لمنع اندفاعتها لتحقيق هذه المنافع.
أما بالنسبة لموضوع اليابان، فهي بالرغم من الحجم الكبير لتبادلها التجاري مع الدول العربية، ومع الصين ايضاً، فإنها ليست لاعباً مستقلاً في عملية تعطيل أو عرقلة مشروع الحزام والطريق، وإنما قد تعتمد على الولايات المتحدة للاستثمار في هذا المجال.
بالمقابل فإن اليابان ـ لو فكرت بشكل سليم ـ قد تكون مستفيدة بشكل كبير من مبادرة الحزام والطريق، لجهة إيجاد طريق مباشر وقليل الكلفة إلى الأسواق الاستهلاكية العربية والغربية، هذا لو تعاونت بإرادة صادقة وجديّة مع هذه المبادرة.
*مؤسس ومدير موقع الصين بعيون عربية ـ مؤسس ومدير موقع مبادرة الحزام والطريق بعيون عربية ـ أمين سر الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء الصين
مقالة مهمة وعميق وذات ابعاد هائلة لمن يريد التفكّر بمصير العالم